رياح التغيير تهب على الاقتصاد السعودي.. ولكن؟
يعيش الاقتصاد السعودي طفرة اقتصادية غير مسبوقة، منذ انطلاقة الألفية الجديدة، وما يؤكد صحة ذلك الأداء المتميز لجميع المؤشرات الاقتصادية بلا استثناء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتوقع لإيرادات النفط أن تنمو بزيادة قدرها 24 مليار دولار في نهاية العام الجاري، لتصل إلى نحو 761 مليار ريال، أو ما يعادل نسبته بالزيادة 25 في المائة عن إيرادات النفط لعام 2005، التي بلغت 607 مليارات، كما يتوقع أن يحقق الدين العام مستويات قياسية، إذ يتوقع أن يصل حجم الدين العام مبلغ 380 مليار ريال، أو ما نسبته 29 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
من بين المؤشرات الاقتصادية الجيدة المتوقعة أن يحققها الاقتصاد السعودي خلال العام الحالي، أن يرتفع الناتج المحلي القومي بما نسبته 20 في المائة بالمقياس الاسمي وبما نسبته 5.8 في المائة بالمقياس الفعلي، كما يتوقع أن ينمو القطاع الخاص بما نسبته 8.9 في المائة، والذي يعتبر أعلى مستوى نمو يحققه ذلك القطاع منذ 25 عاما.
من بين المؤشرات الإيجابية أيضاً لأداء الاقتصاد السعودي المتوقعة في نهاية العام الحالي، أن يسجل معدل التضخم نسبا متدنية تقل عن 2 في المائة، كما يتوقع للحساب الجاري أن يبلغ 114 مليار دولار، وأن تحقق الميزانية العامة للدولة فائضا يبلغ 250 مليار ريال.
جميع هذه المؤشرات الاقتصادية الجيدة وغيرها المتوقعة أن تتحقق في نهاية العام الجاري، حفزت القيادة السعودية بالتوسع في الإنفاق التنموي، الأمر الذي طالبت به في وقت سابق جميع الخطط التنموية الخمسية المتعاقبة على السعودية بلا استثناء، وبالذات خطة التنمية الثامنة، التي جاءت بانطلاقة وبمفهوم تنموي جديد للمسيرة الإنمائية التي تعيشها السعودية، حيث شددت في المطالبة، على تحقيق التنمية المستدامة الشاملة بمفهومها الواسع والشامل، الذي يكفل التوزيع العادل والأمثل للموارد الاقتصادية والمالية والطبيعية، بين مدن ومناطق المملكة المختلفة، ولكن وبطبيعة الحال بالتركيز على عدد من الأولويات التي من أهمها، رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، وتوفير فرص العمل للمواطنين، والتوسع الكمي والنوعي في الخدمات التعليمية والتدريبية والصحية والاجتماعية، والتوسع كذلك في مجال العلوم التطبيقية والتقنية، وتشجيع المبادرات والابتكار، بما في ذلك مواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية العالمية السريعة وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتحسين إنتاجية الاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية، والاهتمام بالمجالات الواعدة كالصناعات الاستراتيجية والتحويلية، وخاصة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ومشتقاتها، وصناعة الغاز الطبيعي، والتعدين، والسياحة، وتقنية المعلومات.
تجاوباً مع احتياجات التنمية المستدامة في السعودية، قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارات تفقدية لعدد من مناطق المملكة خلال شهري حزيران (يونيو) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2006، التي شملت كلا من المنطقة الشرقية، ومدينة حائل، ومنطقة القصيم، والمدينة المنورة، ومنطقة عسير ونجران وجازان، والتي جاءت جميعها لتؤكد حرصه التام يحفظه الله، على النهوض بمناطق المملكة العربية السعودية، بشكل تنموي متوازن، يحقق لأبناء المناطق رغد العيش والرفاه الاجتماعي الذي تنشده الدولة لمواطنيها، ومن هذا المنطلق التنموي السامي، اعتمد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله -، العديد من المشاريع التنموية، في المناطق التي شملتها الزيارة، بالشكل العادل والمتوازن والمدروس، الذي يكفل سرعة التنفيذ والإنجاز، وبما يلبي متطلبات المناطق التنموية كل وفق احتياجاته، فعلي سبيل المثال، الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك للمنطقة الجنوبية، والتي خصص لها أكثر من 20 مليار ريال للارتقاء بأداء العديد من القطاعات الاقتصادية بها، كقطاع الصحة، والتعليم، والكهرباء، والتعليم الفني والتدريب المهني، والسياحة والطاقة، لدليل واضح على اهتمامه، يحفظه الله، بالتحسين من وضع وحال المناطق المختلفة في المملكة دونما تمييز أو استثناء.
المدن الاقتصادية التي اعتمد تنفيذها خادم الحرمين الشريفين في وقت سابق، كمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، ومدينة المعرفة الاقتصادية: مؤسسة الملك عبد الله لوالديه في المدينة المنورة، وأخيرا مدينة جازان الاقتصادية، لدليل آخر واضح على اهتمامه، يحفظه الله، بالارتقاء بأداء الاقتصاد السعودي، ولاسيما أن بناء مثل هذه المدن الاقتصادية، يفترض له أن يعمل نقل المعرفية التقنية والفنية، وتلبية الاحتياجات التنموية الأساسية للمناطق، بما في ذلك خلق وظائف جديدة في الاقتصاد السعودي للمواطنين السعوديين.
إن المتابع والمراقب لحجم المشاريع العملاقة التي اعتمد الملك تنفيذها في مناطق المملكة، إضافة إلى اعتماد تنفيذ العديد من المدن الاقتصادية، دون أدنى شك أنه سيلحظ أن هناك رياح تغيير تهب على الاقتصاد السعودي، بالذات حين ربط منبع ومصدر هذه الرياح، بالبرنامج الاقتصادي الإصلاحي الطموح الذي انتهجته الحكومة السعودية في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي، والذي وكما هو معروف استلزم إنشاء العديد من المجالس والهيئات الاقتصادية العليا، كالمجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا للسياحة وغيرهما، ولكن سيبقي وسيظل السؤال الحائر في الذهن الاقتصادي، الذي يبحث عن إجابة شافية ووافية، وهو مدى قدرة الأجهزة التنفيذية الحكومية المختلفة في الدولة ذات العلاقة، بتنفيذ تلك المشاريع الاقتصادية العملاقة، وفق برنامج زمني محدد دونما تقاعص أو تأخير، ولا سيما أن خطة التنمية الثامنة، قد أكدت أهمية التنفيذ، واعتبرته وتعاملت معه، على أساس أنه الجوهر الحقيقي للتخطيط السليم، لكون التخطيط في نهاية المطاف، عملية متواصلة وليس حدثاً منفصلاً، وأن نجاح التخطيط سيظل باستمرار، أمراً مرهوناً ويقاس بالإنجاز لا بالنوايا، وبالنتائج وليس بالمخصصات والاعتمادات المالية فقط، كما قد ركزت خطة التنمية الثامنة، جل اهتمامها على بناء الإنسان البناء الحقيقي، الذي يسهم في تعزيز القدرات التنافسية للمواطن السعودي، ويجعله مؤهلاً للتعامل مع التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية التي تعيشها السعودية، بمعني آخر أدق وأوضح، أن خطة التنمية الثامنة، لم تقتصر العملية التنموية فقط على تشييد المصانع والسدود، والطرق، والأنفاق الأسمنتية، ولكنها في المقام الأول اهتمت ببناء الإنسان، باعتبار أن هدفها الأساسي هو تحقيق متطلباته المادية، والثقافية، والروحية.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، قد ركز وأكد خلال ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء السعودي، التي عقدت في مدينة جازان بتاريخ السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، على المفاهيم التنموية السليمة لخطة التنمية الثامنة، مطالبا في هذا السياق جميع مسؤولي الدولة والأجهزة الحكومية الالتفاف لمناطق المملكة كافة، مؤكدا في هذا الخصوص، أن الوطن كُل لا يتجزأ، والمواطنين جميعهم سواسية في الحقوق والواجبات، وأن التنمية والتطوير والإصلاح هي ممارسة وفعل وإنجاز، وأنه لا مجال للتقصير في أداء المسؤولية في بلد منَّ الله سبحانه عليه بعقيدة تدعو للعمل والأمانة وأداء الواجب، وأفاض عليه بالخير الوفير والإمكانات، وحباه بالمواطنين المتفانين في حب وطنهم والإخلاص له، وبالله التوفيق.