بركة حجر الأساس
حرصت حكومتنا الرشيدة منذ تأسيسها على محاربة مظاهر الكفر والشرك، وعمد العديد من المؤسسات الدينية المختلفة في كثير من مناطق المملكة منذ عقود طويلة، إلى توضيح كثير من المخالفات الشرعية التي قد تؤدي بأصحابها إلى الوقوع في الشرك والعياذ بالله، ومن ذلك تركيزها على توضيح مخالفات أهل البدع والمغالاة وذوي الاعتقادات الباطلة الذين يعمدون إلى التبرك ببعض الأحجار أو الجمادات المختلفة والتي لا أصل لها في الشرع ظناً منهم أنها تجلب نفعاً أو تبعد ضراً.
وفي عصرنا الحاضر أصبح لدينا عادة لا يكاد يخلو مشروع منها خصوصاً إذا كان قائماً على إنشاءات معمارية أو مبان اقتصادية، فقد أصبح ركناً أساسياً عند اعتماد كثير من المشاريع أن يقوم من يفتتح المشروع بوضع حجر الأساس، يضاف إلى ذلك إزاحة الستار عن اللوحة التذكارية الخاصة بالمشروع. وللأسف فإن هذا الحجر يصبح في بعض المشاريع هو الأساس وهو المشروع الفعلي، فهناك العديد من المشاريع التي أعدتلها احتفالات كبيرة وضخمة ودُعي لها القاصي والداني وأعلن عنها في مختلف وسائل الإعلام ورصدت لها ميزانيات فلكية، وتم إطلاقها بوضع هذا الحجر والذي بقي حتى اليوم حجراً كما هو يمر عليه كثير من الناس ينتظرون بركته والمشروع الذي وضع من أجله.
إنني أتمنى أن تتغير هذه العادة بحيث تلغى احتفالات وضع حجر الأساس التي تطلق في بدايات المشاريع - التي قد تكمل وقد لا تكمل ـ لتصبح احتفالات افتتاح المشاريع ووضع الحجر الأخير لإكمال إنجازها وإعلان بدئها العمل وتقديم خدماتها لأفراد المجتمع.
إن الإنجاز لا يكون بالمظاهر أو الاحتفالات أو غيرها من الدعايات المختلفة بل يكون الإنجاز من خلال تحويل الأفكار والأحلام إلى واقع يراه الناس بأعينهم ويلمسون أثره في حياتهم. إن هذه الحجارة التي توضع اليوم في كثير من مدن المملكة تحمل في داخلها بركة كبيرة لو حققت الأهداف التي وضعت من أجلها، ففيها طموحات وآمال ملايين من أفراد المجتمع ينظرون إليها، فيحلمون بالمدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع وغيرها من المنشآت التي تسهم في توفير مستوى معيشي مناسب لهم. لم يفرح الناس في يوم ما بوضع الحجر لذاته، بل كانوا يفرحون بالخير والبركة المؤملين أن يأتيا من خلف هذا الحجر، فهذه الحجارة هي جمادات لا تنفع ولا تضر ووضعها إنما هو إعلان للرغبة في أن يتم إنجاز ما، فلن يتحرك الحجر إن لم تكن هناك همة وراءه تجعل منه حجراً قوياً يكون فعلاً بمثابة أساس تضاف إليه أحجاراً أخرى ليبنى كيان يحقق آمال الناس وطموحاتهم.
إننا في حاجة ماسة إلى أن نعود إلى أحجار المشاريع القديمة التي تم وضعها منذ عشرات السنين لننظر في آثارها هل بقيت أحجاراً كما هي موضوعة على قطعة من الرخام الفاخر وفي مواجهتها لوحة تذكارية مميزة كتب عليها تاريخ قديم بقي شاهداً على تخاذل بعض المسؤولين ممن كلفوا بهذه المشاريع، كما نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا هل أنجزت هذه الأحجار الأهداف التي وضعت من أجلها؟ وما مصير المبالغ التي رصدت لها؟ أم أن أهداف وطموحات هذه الأحجار وقفت في مكانها وأصبح الناس يمرون عليها كل يوم ينظرون إليها ويأملون في بركتها وفي الخير الذي سيأتي من خلالها. وما أخشاه أن تطول فترة الانتظار على الناس فيتعلقون بهذه الأحجار ويعمدون إلى زيارتها طلباً لبركتها مما قد يسهم في وقوعهم في مخالفات شرعية، فالأولى والأجدر هدمها وتحويلها من أحجار للأساس إلى أحجار للإنجاز.