البتروكيماويات وحقوق الملكية الفكرية

[email protected]

تناقلت وكالات الأنباء العالمية والصحف المحلية في الأسبوع الماضي خبراً عن دعوى قضائية رفعتها شركة أجنبية ضد شركة بتروكيماويات سعودية مساهمة يدور محورها حول مزاعم باستخدام الشركة السعودية لتقنية وأسرار تجارية دون الحصول على الترخيص اللازم، وهي ادعاءات نفتها الشركة السعودية بشدة. وبصرف النظر عما تنتهي إليه تلك الدعوى ستشهد المحاكم معركة طويلة بين الطرفين للبعد الجغرافي الفاصل بين المصانع محل النزاع وبين المحكمة التي رُفعت أمامها الدعوى، فضلاً عن الطبيعة الفنية المعقدة لذلك النوع من القضايا. ومن المؤسف أن الشركة السعودية قد تضطر إلى تحمل مبالغ باهظة للدفاع عن مصالحها.
تأتي تلك القضية بعد وقت قصير من معركة قضائية أخرى دارت رحاها لعدة سنين بين شركة سعودية عملاقة متخصصة أيضاً في صناعة البتروكيماويات وبعض شركائها الأجانب انتهت بدفع مبالغ كبيرة على سبيل التعويض لأولئك الشركاء قاربت 1.500 مليون ريال، عدا المبالغ التي دُفعت للمحامين والمحاسبين وغيرهم. وكلتا القضيتين السابقــة والحالية تنضويان تحت مظلة واحدة تقريباً وهي "حقوق الملكية الفكرية".
إن نشوء مثل تلك المنازعات لم يعد أمراً مستغرباً، كما أنها ليست وقفاً على صناعة البتروكيماويات فحسب، بل أصبحت أمراً مألوفاً في صناعة البرمجيات، الاتصالات، والدواء، وغيرها من المجالات ذات المحتوى العالي من الأبحاث والحقوق الفكرية. ومن ثم أصبح هناك عنصر تكلفة جديد في العملية الصناعية ينبغي التحوط له بعناية عدا عناصر التكلفة التقليدية كالمواد والتمويل واليد العاملة، إذ لم يعد اليوم من الممكن استخدام تقنية ما في عمليات الإنتاج قبل الاتفاق مع مالك تلك التقنية على ثمنها وشروط الإفادة منها.
إن حقوق الملكية الفكرية في مجال صناعة البتروكيماويات تشكل دخلاً لا يستهان به لأصحاب تلك الحقوق، ويراوح أسلوب تحصيلها بين مبلغ مقطوع يُدفع مرة واحدة عند التعاقد، أو أقساط سنوية تدفع على فترات قد تمتد إلى 20 عاماً أو مزيج من البديلين. وعادة ما يُقدر القسط السنوي كنسبة مئوية ثابتة من قيمة مبيعات المصنع تراوح بين 1 و1.5 في المائة، وهو مبلغ كبير قد يصل إلى خمسة ملايين دولار سنوياً لكل مصنع. لذا أصبح لدى تلك الشركات المالكة لتلك الحقوق أرتال من المحامين المتفرغين لمتابعة كل مصنع تقريباً في أصقاع العالم لكشف أية انتهاكات أو ما قد يبدو أنها انتهاكات لتراخيصهم وتقنياتهم.
هناك أسباب كثيرة تدعونا لأخذ هذا الأمر مأخذ الجد، إذ يبلغ عدد مصانع البتروكيماويات في المملكة أكثر من 120 مصنعاً بين قائم وبين ما هو في مراحل متقدمة من التخطيط، وتزيد تكلفة تلك المصانع على 100 مليار دولار، ولك أن تقدر حجم المبالغ المستحقة عن تراخيص التقنيات المستخدمة في تلك المصانع، ما يفسر أهمية القضايا التي وجدت بعض الشركات السعودية نفسها طرفاً فيها وكذلك ما قد يستجد من نزاعات في تلك الساحة مستقبلاً، وهو احتمال غير مستبعد، نظراً للإقبال الكبير على الاستثمار في قطاع البتروكيماويات وانخراط بعض عناصر ذات خبرات متواضعة في صفوفه.
وإن كان من درس يُستفاد منه في قضايا حقوق الملكية الفكرية فهو أهمية الحرص على الوضوح التام في التراخيص التي تبرمها الشركات السعودية، وعدم تفسير ما قد يكون هناك من نص غامض "بعد إبرام الاتفاقية" لصالح الشركة على حساب الطرف الآخر دون موافقته. ثم لا بد أن تكون تلك الاتفاقيات تحت نظر مجلس إدارة الشركة وإدارتها العليا بشكل دوري لا يقل عن مرة واحدة في كل عام لئلا تّفرط الشركة في حقوقها أو تتساهل في التزاماتها، وإن تغير مجلس إدارتها أو ملاكها، إذ إن أصحاب تلك الحقوق الفكرية ليس في مفرداتهم كلمات السهو أو الخطأ غير المقصود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي