خطورة العجلة في إنتاج المعلومة
تعتبر المعلومة المحاسبية أحد أهم أعمدة بناء الأسواق المالية الكفوءة، ولكي تكون المعلومة ذات فائدة وتسهم في مساعدة المستفيدين على اتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد، يلزم أن تكون ملائمة، وقابلة للإثبات، ومتدفقة في الوقت المناسب وقابلة للمقارنة ولها القدرة على المساعدة في التنبؤ المستقبلي وأن تكون لها خاصية التعبير الأمين عن الأحداث المالية.
ولتحقيق مثل هذه الخصائص يقضي الأمر أن يتم تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في المجتمع لتتماشى أيضا مع النمو الاقتصادي والاجتماعي لذلك المجتمع، وألا يكون هناك فجوة بين حاجات السوق المالية من المعلومات وبين منتجات المحاسبة المالية، كما يلزم الحرص على إيجاد التوازن بين توقعات المجتمع الجامحة وبين محدودية تلك المنتجات نظرا للقصور العلمي في مجالي القياس والعرض والإفصاح المحاسبي.
لقد بذلت دول الغرب خلال الـ 50 سنة الماضية الجهد والمال لتطوير النظام المؤسساتي لمهنة المحاسبة والمراجعة، محاولة منها للارتقاء بمنتجات المحاسبة ووصولها إلى خصائص المعلومات سالفة الذكر، ومع ذلك ما زالت المعلومات المحاسبية يشوبها بعض من القصور، ومع ذلك تشهد في كل عقد من الزمان ظهور بعض الحقائق والفضائح المالية الكبرى التي لم تستطع القوائم المالية الإفصاح عنها في حينه لكافه المتعاملين في الأسواق المالية، وعندئذ يبدأ الجدال بين مفكري وممتهني المحاسبة والمؤسسات المالية والدوائر الرقابية عن حدود مسؤولية الأطراف، وكيف يتم إعادة هيكلة تدفق المعلومات المحاسبية لضمان عدم حدوث مثل هذه الهفوات؟ وفي غالب الأمر يقع اللوم على المحاسبين، وليس على المجتمع الذي لم يعطهم الوقت الكافي والمال لكي يتأكدوا من توافر خصائص المعلومات قبل إصدارها.
مما دفعني إلى كتابة هذه الخواطر ما أشاهده في سوقنا المالية من تسابق الشركات المدرجة على نشر قوائمها المالية بأسرع مما يتاح لإكمال مراحل التوثق والعدالة؛ وفي أحيان أخرى تصدر دون أن تمر على المراجع القانوني وحتى لجنة المراجعة في الشركة؛ إن ضغط المجتمع بمؤسساته وأفراده على المحاسبين للإسراع بإفصاح المعلومات المالية قد يؤدي إلى خطورة جمة حيث إن تدفقات الوقت المناسب خاصية واحدة من خصائص أخرى، وقد لا نلاحظ خطورتها اليوم ونحن في خضم تأثير المعلومة على أسعار الأسهم، ولكن سنكتشفها لاحقا كما اكتشفتها الأسواق العالمية مرات عدة، وعندها لا ينفع الندم والله أعلم.