من يدفع .. الدولة أم رجال الأعمال؟
انتشر أخيرا مفهوم المسؤولية الاجتماعية بين شركات القطاع الخاص وقامت بعض الشركات التجارية بتأسيس أقسام وإدارات بداخلها تعنى بتطبيق وإعداد برامج المسؤولية الاجتماعية والذي يختلف نوعاً ما عن النشاطات الخيرية فهو يركز على أن تقوم الشركة بدراسة أوضاع المجتمع من حولها وتعمل على تقديم برامج وأنشطة تقوم على تطوير وتحسين خدمات قائمة أو المشاركة في إيجاد حلول لبعض المشاكل الموجودة.
ونماذج هذه الأعمال الاجتماعية كثيرة ومختلفة منها ما يركز على خدمة المجال الصحي وإنشاء المراكز الصحية وتطويرها ومنها ما يهتم بمجال الإسكان للفقراء ومنها ما يعنى بالأيتام وبعضها يقوم على إنشاء مرافق تعليمية وغيرها من المجالات التي لها أثر بارز في المجتمع وتنعكس بشكل مباشر على حياة أفراده، ومع انتشار هذا المفهوم تبرز قضية مهمة وحساسة في هذا الإطار وهي هل من المفترض على القطاع الخاص أن يقوم بهذا الدور أم أنه في الأساس واجب من واجبات الدولة ينبغي عليها القيام به ؟
فبعض منشآت القطاع الخاص لديه الرغبة الصادقة في أن يقدموا شيئاً لمجتمعهم ولديهم القدرة المالية لذلك والتي يمكن من خلالها أن يتم المساهمة في تأسيس أو تطوير العديد من الخدمات المهمة ومع ذلك فإن بعض التجار يتساءل هل من المفترض أن أقوم أنا بهذا الدور أم هو واجب الدولة؟ خصوصاً أن بعض الخدمات أو المساهمات التي تطلب من القطاع الخاص خدمات رئيسية وأساسية فتجد بعض المستشفيات تحتاج إلى تبرعات من رجال الأعمال لتوفير بعض الأجهزة الطبية الرئيسية فيها والتي لا تتوافر فيها على الرغم من أهميتها، والسبب هو إما أنها لم تدرج في الميزانية وإما أنه لا يوجد بند لها يمكن أن تحمل قيمتها عليه، كما تجد بعض الدوائر الحكومية تسعى إلى التجار تطالبهم بالتبرع إما بأجهزة حاسب آلي وإما ببعض السيارات أو توفير بعض المستلزمات المكتبية أو الأثاث أو غيرها من الخدمات التشغيلية مثل صرف بعض رواتب الموظفين أو مكافآتهم، وهذا ما يقوم به بعض المسئولين في بعض الجهات الحكومية لتوفير بعض البنود المالية بحيث يمكن أن يتم الصرف من هذه البنود في مجالات أخرى لم تعتمد أو أن البند المتوافر لا يكفي لها والمناقلة بين البنود تحتاج إلى موافقات كثيرة ووقت طويل، وأحياناً يلجأ بعض المسئولين في الأجهزة الحكومية لطلب مثل هذه التبرعات من القطاع الخاص حرصاً منهم على توفير أموال الدولة وإيجاد فائض في ميزانيتهم يقدمونه لرؤسائهم ويفتخرون به أمامهم .
ولذلك فإن بعض رجال الأعمال يرفضون المساهمة في بعض المجالات الاجتماعية مع بعض أجهزة الدولة لأن ما رصد لهذه الأجهزة من ميزانيات كبيرة جدا يستوعب أضعاف مساهمتهم الاجتماعية وأن هذه المساهمات لا تمثل شيئا مقابل ما هو معتمد في هذه الميزانيات فالأولى أن يتم تخصيص هذه المساهمات الاجتماعية في مجالات أخرى أجدى وأفضل من أن تقدم في غير مكانها.
إن ما يقدمه القطاع الخاص من مساهمات اجتماعية ليس أمراً يتفضل به على المجتمع أو الدولة بل هو واجب عليه يجب أن يؤديه فالدولة والمجتمع هم الذين وقفوا مع القطاع الخاص حتى وصل إلى ما وصل إليه فلا بد له أن يؤدي واجبه ولكن هذا يحتاج إلى تنسيق وتكامل للجهود بحيث يعمل القطاع الخاص وأجهزة الدولة جنباً إلى جنب في تحقيق مصالح أفراد المجتمع وبشكل مباشر بحيث توضع في مكانها الصحيح وأن لا يكون هناك ازدواجية بين هذا الدور ودور الأجهزة الحكومية بل تكون مكملة لها ويستفاد منها بشكل يعود نفعه على أفراد المجتمع فالتاجر ليس كالدولة فهو سيقدم هذا المال من أرباحه ولذلك فهو حريص على أن يوضع في مكانه الصحيح وان يستفاد منه على أكمل وجه.
إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص مفهوم نبيل وجميل يجب أن نحافظ على إظهاره بشكل يساهم في توسيعه وانتشاره ويحفز رجال الأعمال على المضي فيه قدما من أجل خدمة المجتمع ورفاهيته وأن لا نجعل بعض الممارسات عائقا يحول دون نشر هذا المفهوم أو تحجيمه.