كوميديا سوق الأسهم السوداء

[email protected]

في برنامجه المشاهد والمتابع، كما ألحظ من تعليقات الناس، والإشارة إلى ما يطرح من خلاله، كان الأستاذ حسين شبكشي لماحا حين استضاف في حلقة من حلقات البرنامج الذي يعده ويقدمه باسم "التقرير" على قناة "العربية" الأسبوع الماضي فنان الكوميديا اللامع الأستاذ يوسف الجراح. واستضافة فنان يجسد في أدواره التمثيلية الشخصيات الهزلية بإتقان وتمكن في برنامج جاد يناقش قضايا اقتصادية جاءت، مع هذا التناقض الظاهر، مناسبة وفي محلها ووقتها. الأستاذ شبكشي أراد، كما أظن، أن يضفي روحا من الدعابة في برنامجه للتخفيف من كآبة منظر السوق من ناحية. والقول من ناحية أخرى إن حال سوق الأسهم وواقعه حاليا يحتاج إلى تحليل خفيف الظل لا تحليل جاد وجامد. وسوق الأسهم في الأسابيع الماضية تحول من سوق يفترض أن يتحرك ضمن قواعد وأسس اقتصادية رصينة إلى سوق "طاش ما طاش" حقيقي هذه المرة، وليس مجرد تمثيل في تمثيل بهدف إمتاع المشاهد وإضحاكه. وحينما يصبح سوق ارتبطت فيه مصائر غالبية الناس، وقد وضعوا فيه جل مدخراتهم بغرض استثمارها في سوق يفترض أن تكون محمية من جهات مسؤولة عنه من تلاعب رؤوس كبيرة خفية ومتخفية تحرك فيه مئات الملاين من الريالات، ترفع مؤشره حين تريد وتخسف به حين تشاء غير عابئة، بما يتكبده الناس البسطاء من خسائر كونهم لا يملكون أدوات اللعبة ولا يعرفون ما يجري داخل كواليسه من مضاربات وضربات تحت الحزام، حينما يصبح مجرد لعبة بهذا الشكل لا يمكن وصفه بغير وصف الكوميديا السوداء. وسوق مثل سوق الأسهم المرتبطة به مصائر الناس ليس هو المجال الذي يمارس فيه مثل هذا التلاعب ويصبح ساحة للتسلية من قبل لاعبين لا هم لهم ولا هدف إلا استغلال ثروات الناس وجرها إلى جيوبهم بطرق ملتوية. فما تعرض له سوق الأسهم من انهيارات متتالية ليس له أي مبرر كما قال الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال أخيرا، واستضافة فنان كوميدي بوزن الممثل يوسف الجراح في برنامج يركز على متابعة السوق جاءت في سياق ما يحدث، فالتحليل الرصين المبني على قواعد وأسس اقتصادية ومالية لم يعد واقعيا أمام ما يجري فيه، فسوق مال ينحدر كل هذا الانحدار في وقت يشهد فيه اقتصادنا فترة انتعاش غير مسبوقة مع استقرار سياسي وأمني قوي ومؤشرات نهضة اقتصادية واسعة، يحتاج فعلا إلى تحليل كوميدي وهزلي يتوافق مع ما يحدث فيه من تغيرات سلبية تتعارض مع واقع الحال.
ما حدث ويحدث في سوق الأسهم من انهيار يعكس صعودا اقتصاديا لا يخفى على العين لا يمكن إرجاعه لأسباب اقتصادية موضوعية بقدر ما هو فقدان للحس الوطني والحرص على مصلحة البلد من قبل زمرة امتلكت زمام أمره. وهنا نسأل: هل هناك جهات ما تلعب بالسوق لأهداف ما، تريد شيئا ما، وتعمل لمصلحة ما ..؟ و"ما" هذه تظل بلا إجابة شافية إلا من إجابة محتملة يمكن استخلاصها من تصريح لافت للنظر، جاء على لسان معالي الأستاذ حمد السيارى محافظ مؤسسة النقد، حينما نفي بالإحصائيات التهمة التي وجهت إلى البنوك بكونها المتسبب في انهيار السوق بتسييل محافظها، فإذا لم يكن السبب محافظ البنوك، فمن هو الذي سيل محافظه إذن..!!؟
على العموم لسنا في وارد تحليل حال السوق لعدم انطباق أي آلية تحليل منطقيه عليه من جهة، ولكون الوضع الذي عليه السوق بآثاره المدمرة لا يحتمل ترف التحليل من جهة أخرى. والوضع الذي عليه السوق بات يدعو إلى عملية إنقاذ عاجل لمعالجة الآثار العديدة التي سوف تظهر كما أتضح في بدايات نتائجها الاجتماعية السلبية، وفي هذا السياق لفت نظري الاجتماع الذي عقده مدير شرطة جده الأسبوع الماضي، وناقش فيه مع مسؤوليه عدة قضايا، وكان أهمها نتائج هبوط سوق الأسهم على الحالة الأمنية. وهذا مؤشر خطير لا بد من الانتباه إليه، فخسائر الناس مهولة وكبيرة، وإذا استمرت, فنتائجها ستكون مؤثرة سلبا في عدة جوانب مترابطة سوف تؤدي إلى خلق أزمات نفسية وأسرية بل وأمنية أيضا.
صحيح أن هناك من حذر وأنذر حين حلق مؤشر السوق إلى ما فوق العشرين ألف نقطة قائلا: إنه فقاعة ستنفجر في وجه الجميع. واعتبر هذا الكلام وقتها تحليلا سوداويا لا يتوافق مع الوضع الاقتصادي المنتعش. وصحيح أيضا أن أولئك المحللين استندوا إلى معطيات تؤكد أن الأسعار وهمية ولا تعكس حقيقة كثيرا من الشركات التي تقافزت أسعار أسهمها إلى ما فوق الخيال. كل هذا صحيح وحقيقي، ولكن ذلك كله لا ينفع، فالناس متضررون ويعانون الأمرين ويضرسون العلقم، وسؤالهم هو: لماذا لم تتدخل الجهات المعنية وقتها وقبل أن تقع الفأس على الرؤوس العارية من أي حماية ووقاية؟ وهو سؤال في محله ومشروع لا ينفع معه القول إن القانون لا يحمي المغفلين، فهم ليسوا مغفلين فيما حدث، فكيف يكونون كذلك والسوق صعد أمام أنظار الجميع وكثير من المحللين يبشرون بالمزيد وهم مطمئنون بأنهم يتاجرون في ظل هيئة سوق مال لا شغل لها ولا عمل إلا ضبط آليته وتعاملاته؟
الناس المصابون في أرزاقهم والضائعة مدخراتهم لديهم ثقة كبيرة بخادم الحرمين الشريفين وفقه الله في أنه لن يترك أبناء شعبه يضرسون مصيبتهم مع سوق الأسهم ويتحملون وحدهم خسائره المدمرة لآمالهم التي بنوها عليه. ولو كانت هذه الخسائر تعود إلى ضعف في الاقتصاد أو هبوط طبيعي في مؤشر السوق مبني على معطيات منطقية لهان الأمر, ولكن ما حدث غير ذلك، فهناك تلاعب فيه في غيبة من رقابة صارمة ومتابعة دقيقة حين ترك مؤشره يصعد كالصاروخ من دون أسس ثم يتهاوى من دون قاع، والأمل معقود بالدولة, التي إلى جانب مسؤوليتها, فإن حرصها المعهود وسهرها على مصالح شعبها لابد أن يكون لها الكلمة الفصل وهي أهل لذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي