القضاء فهم ونزاهة.. وشيء من العلم

[email protected]

برأيي أن العناصر الأساسية في القضاء وبالطبع في القاضي هي: العلم والفهم والنزاهة، ويمكن قياس نجاح القاضي وإتقانه لعمله في مدى توافر هذه العناصر فيه وتأثيرها في قضائه، فحيث توافرت هذه المكونات في القاضي فهو مظنة لصحة قضائية، وبالتالي حفظ الحقوق لأهلها الداعي إلى تحقق الأمن القضائي والذي هو من أهم العوامل في دعم التنمية وتوفير البيئة المناسبة للنهضة، والأخذ بأسباب التمدن، وفي حال تخلف واحد من هذه العناصر فلا يمكن أن يستقيم القضاء وسيؤدي لا محالة إلى ضياع الحقوق, فالجهل والبلادة والفساد موجبات ضياع الحقوق حيث وجدت فكيف إذا كان الحديث عن الجهة التي يلجأ إليها المضطر لرفع الظلم وطلب النصف من الظالم.
لا أظن أني بحاجة إلى إثبات ما سبق, كون ذلك من المتبادر إلى الذهن ومن المعلوم بالضرورة, ولكن ما يحتاج إلى تعليق وتوضيح هو ما أشرت إليه من أن القضاء فهم ونزاهة هكذا بالإطلاق أما العلم فيكفي شيء منه, وتوضيح ذلك أن القضاء فصل في الخصومات والمنازعات, وبقدر ما يتطلب ذلك من علم إلا أن الأمر لا يتوقف أبدا على كثافة هذا العلم, نعم لا بد من الحد الكافي من العلم للحكم في القضية, لكن لا يلزم من هذا أن يكون القاضي من كبار العلماء الحافظين للنصوص المحيطين بالأقوال, وفي المقابل فبقدر ما يكون القاضي مدركا للأمور فطنا لمّاحا بقدر ما يتفوق في قضائه, والأمر ذاته ينطبق على النزاهة حيث لا يمكن القناعة بشيء منها فقط فلا بد من أعلى درجاتها لمنع الحيف على الضعيف وقطع طمع القوي, فيُقبل أن يكون في القاضي شيء من العلم لكن لا بد من كامل النزاهة وأقصى ما يمكن من الفهم, وبهذا يتضح أنه لا يلزم بالضرورة أن يكون القاضي عالما, بل قد يخفى عليه بعض الأحكام الفقهية وبخاصة ما يتعلق بالعبادات لأنها ليست من مادته القضائية, والعكس قد يكون صحيحا أيضا بمعنى أن العالم يقاس علمه بكثافة حفظه وجمعه وقد لا يحتاج إلى الكثير من الفهم والفطنة, وإذا أمعنت النظر في كتب السير والطبقات تلحظ أن المؤلفين يثنون على العالم بقدر حفظه للنصوص وجمعه للأقوال, أما القضاة فيثنون عليهم بالفطنة وسرعة البديهة والأجوبة المسكتة ونحو ذلك مما يتوقف على الفهم بالدرجة الأولى.
ويمكن تأكيد هذه المعاني كذلك بما ورد في القرآن في حكم سليمان وداود في الحرث حيث أصاب سليمان الحق لأنه أوتي الفهم قال تعالى: ".. وفهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما", وفي رسالة عمر لأبي موسى قوله ".. الفهم الفهم فيما أدلي إليك", ومن خلال الواقع فإذا رأيت القاضي مستوعبا لكلام الخصوم مكيفا للدعوى تكييفا صحيحا فاعلم أنه في المسار الصحيح, وإذا رأيته يرفع الجلسة لأكثر من مرة مع عدم ضبط أقوال الخصوم فسيحتاج إلى وقت أطول للبت فيها, والسر في: " الفهم".
وحين نتحدث عن القضايا العقارية بجميع صورها من إثباتات " حجج الاستحكام"و دعاوى فلا شك أننا بحاجة إلى منتهى النزاهة وأقصى ما يمكن من الفهم, وقدر كافٍ من العلم.

قاض في وزارة العدل

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي