"البيع بشرط البراءة من العيب"
يسأل الكثير عما يشترطه البعض في عقد البيع مع المشتري من براءته من كل عيب يوجد في السلعة, فإذا كان المبيع سيارة مثلا قال: "أبيعك كومة حديد", وهو تعبير يقصد به كما هو معلوم عدم مسؤولية البائع عن أي عيب يظهر في السلعة بعد تملك المشتري لها, وكأنه حال البيع يوجهه بالتريث عن شرائها إلى حال التبين منها, وهذا الشرط موجود في الكثير من البيوعات سواء كان المبيع عقارا أو منقولا, ولعل من أسباب ظهوره أخيرا وبكثرة أن بعض السلع الحديثة مظنة لخفاء العيوب, ويشمل ذلك حتى ما يتعلق بالإنشاءات والمقاولات في العقارات, حيث اختلف البناء في العصر الحديث, طريقته ومكوناته عنه في الزمن السابق, ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا الشرط لا يعني بالضرورة قصد الشارط له وهو البائع الإضرار والتدليس على المشتري بقدر ما أنه يريد منعه من الرجوع إليه وإبطال العقد بعد نفاذه.
ابتداء فلابد من القول إن الفقهاء متفقون على أنه إذا كان البائع قد بين العيب للمشتري وسماه له فإن البائع يبرأ بذلك, كما أنهم متفقون على منع البائع من التدليس على المشتري والتغرير به, وألزموه ببيان كل عيب يعلمه في السلعة, فإذا لم يبينه فهو آثم عاص ديانة, ويحق للمشتري قضاءً الرجوع عليه إذا ثبت علم البائع بذلك وتغريره بإخفاء العيب, هذا إذا كان البائع يعلم بالعيب وأخفاه, ولكن ما هو الحكم في العيب الذي لا يعلمه البائع واشترط على المشتري البراءة من كل عيب في السلعة, ففي هذه المسألة اختلف الفقهاء على عدد من الأقوال ترجع إلى اتجاهين اثنين في الجملة, وهما:
الأول: أن هذا الشرط باطل ولا يبرأ به البائع, وهو قول الحنابلة, واستدلوا بعموم الأدلة المانعة من الغرر والضرر والغش.
الثاني: أن هذا الشرط صحيح ويبرأ به البائع, وهو قول ابن عمر رضي الله عنه, والحنفية والشافعية ورواية في مذهب الحنابلة, واستدلوا بعموم حديث: "المسلمون على شروطهم", كما أن المشتري قد أسقط حقه وكان يستطيع أن يتفحص السلعة ويتحقق منها.
وبالطبع ليس هذا مجال استعراض الأدلة ومناقشتها ولكن أختم هذه الأقوال بقول لشيخ الإسلام ابن تيمية, وهو من الفقهاء المحققين الناظرين في المقاصد المتروين من النصوص والقواعد أصولها وفروعها, حيث يقول: "والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم: أن البائع إذا لم يكن على علم بذلك العيب فلا رد للمشتري " ( الاختيارات صـ 124), وقرر مثل هذا تلميذه ابن القيم, وتلميذ مدرسته ابن عثيمين.
فعلى قول هؤلاء المحققين يجوز للبائع - أيا كانت السلعة - أن يضمن العقد براءته من كل عيب يظهر مستقبلا, ولا يحق للمشتري هنا الرجوع عليه, أما إذا كان يعلم بالعيب فلا يجوز له إخفاؤه أبدا, ويحق للمشتري الرجوع عليه إذا اثبت ذلك كما سبق, فالشارع الحنيف نهى عن الغرر والضرر والغش والتدليس.
قاض في وزارة العدل