كفالة اليتيم ورعايته من أفضل الأعمال في الإسلام

كفالة اليتيم ورعايته من أفضل الأعمال في الإسلام

أقام الإسلام مجتمعه الفاضل على أركان ثابتة، ودعائم راسخة، ومن أهم هذه الدعائم أن يتحقق بين أبناء المجتمع روح التضامن والتعاون، فيأخذ القوي بيد الضعيف، ويشد المقتدر من أزر العاجز.
والمسلمون مأمورون بالتعاون فيما بينهم على البر والتقوى، والخير والإحسان، قال جل ذكره: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وجعل الله لهذه الأمة حقوقا فيما بينها، وكلفها برعايتها وأدائها، وجعل بعض هذه الحقوق مقرونة بحق الله تعالى: فقال جل ذكره: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب" الآية.
ومن هذه الحقوق وأعظمها وأجلها حق عظيم يتأكد التذكير به والحث عليه جاء في هذه الآية الكريمة.
إنه حق اليتيم وكفالة اليتيم، وكافل اليتيم هو القائم بأمره ومصالحه والحافظ لأمواله، واليتيم في عُرف الشرع، هو من مات أبوه ولم يبلغ كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود: "لا يُتم بعد احتلام"، أي إذا وصل اليتيم زمن البلوغ زال عنه اليُتم وجرت عليه أحكام البالغين، فاليتيم قد فقد أباه الذي يرعاه، فقد القلب الذي يحنو عليه، فقد النفس التي كانت تحوطه وترعاه، فقد حنان الأبوة وعطفها وابتسامتها، فقد بموت أبيه كل ذلك، فما أحوجه إلى الرعاية والعناية، لهذا كله عُني الإسلام بأمر اليتيم واستفاضت نصوص الكتاب والسنة في الحث على تربيته وإصلاحه والمحافظة على نفسه وماله إن كان ذا مال، فجاءت عناية الرب الرؤوف الرحيم باليتيم في تشريع حكيم ووصايا كريمة، تحفظ عليه نفسه، وتحفظ له ماله، وتُعده رجلاً عاملاً في الحياة، ليس كلا على غيره ولا عبئا على أمته.
جاءت العناية باليتيم في قرآن يُتلى منذ أن نزل وإلى أن أكمل الله دينه وأتم على المؤمنين نعمته وشريعته.
وحسبُ اليتامى أن يكون خاتم النبيين وإمام المرسلين يتيما بلا أب ولا أم، لقد مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، وماتت أمه وهو صغير، فحفظه الله ورعاه، وآواه وهداه كما قال جل ذكره: "ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى".
وكفى بكفالة اليتيم أجرا وثوابا أن يكون كافل اليتيم موعودا برفع الدرجات ودخول الجنات.. من قام بحق اليتيم وكفالته وواجبه، ووصايا الله فيه رُجي أن يكون مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة صاحبا وقرينا، يتمتع بما فيها من النعيم، كما متع اليتيم بكفالته ورعايته وحسن معاملته والإشراف عليه، فقد ثبت في صحيح البخاري، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئا".
فاليتيم في حال صغره لا يعقل ولا يفقه أمر دينه ولا دنياه، فمن دله وهداه وهذبه ورباه، وأصلح شأنه وعلمه وأرشده، ودَلَّه على الحق والطريق المستقيم، فهو موعود بهذا الخير الذي جاء في هذا الحديث.
قال ابن بطال: "حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك".
وكل من تولى رعاية اليتيم مباشرة من نفقة وكسوة وأدب وتربية وسد حاجة فهو داخل في هذه البشارة التي أخبر بها النبي، صلى الله عليه وسلم، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم نفسه بولاية شرعية، ولهذا جاء في صحيح مسلم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة"، أي سواءٌ كان اليتيم قريبا للكافل أو لم يكن، في حصول ذلك الجزاء الموعود على كفالته.
ولأجل هذه الفضيلة العظيمة تتابعت آيات القرآن في أول ما نزل في الحث على العناية بشؤون اليتيم، فقال سبحانه: "كلا بل لا تكرمون اليتيم"، وقوله جل ذكره: "فأما اليتيم فلا تقهر"، وقوله تعالى: "يتيما ذا مقربة"، وقوله سبحانه "وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين" الآية.
وجعل الله الوصية باليتيم إحدى الوصايا العشر التي لم تنسخ في قوله سبحانه: "قل تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا" إلى أن قال سبحانه: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده".
ثم يُبين الله لعباده عناية خاصة بشأن اليتيم في كل أحواله وأطواره في سورة النساء، حيث مهد لهذه العناية بطلب التقوى ومراقبة الله في كل حال، وأمر بالقيام له بحق الأخوة، وحق الرحم، وحفظ ماله والإحسان إليه، والإنفاق عليه، وتأديبه وتعليمه، وعدم إهماله أو إلقاء حبله على الغارب، ومن قرأ أول سورة النساء عرف ذلك، وحذر الله عباده بعقاب يقرع الأسماع ويهز الوجدان مَن يمس مال اليتيم بسوء أو بغير حق، فقال سبحانه: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا".

هذه الرعاية الدقيقة والعناية الكبيرة بشأن اليتيم في ماله وحاله وشؤون حياته من أجَلِّ محاسن الدين الإسلامي.
فالإسلام سابق في الرعاية المبكرة للأطفال، فكم من قوانين أرضية، وأنظمة بشرية وضعت للمحافظة على حياة الصغار والأيتام لكنها ضلت الطريق وظل السلب والنهب والظلم شائعاً في قوانينها.
وكم من تشريعات وضعتها منظمات وهيئات، وكم من معاهدات أُبرمت ولكنها أثبتت فشلها وإفلاسها في رعاية الأيتام والعناية بهم.
وتبقى تعاليم الإسلام ورحمة الإسلام شامخة في تحقيق المصالح لجميع العباد ودرء المفاسد عنهم.
والعدل في الإسلام هو الذي يحمي الضعفاء، ويحنو على الصغار ويحفظ حقوقهم وينظم علاقاتهم، فلا يستذل ضعيف لضعفه، ولا يُعتدى على عاجز لعجزه، ومن أخلاق الإسلام لين الجانب وخفض الجناح لليتيم والبائس الفقير، والله تعالى يقول: "وأطعموا البائس الفقير".

إن كفالة اليتيم من أفضل صور الرحمة به والإحسان إليه.
وكافل اليتيم هو الذي يقوم بأمره ويعوله ويرعاه، ويساعد في تربيته وتأديبه فإذا حصلت هذه الكفالة للأيتام من إخوانهم المسلمين عاشوا حياة السعادة في مجتمعهم وعرفوا أن لهم حقوقاً بين إخوانهم.
أما إذا أهمل اليتيم وتركت رعايته بين المسلمين أصبح فريسة للضالين المفسدين، ولأعداء الإسلام الحاقدين.
وقد علمتم ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، من الاهتمام باليتامى والحض على كفالتهم والأمر بإصلاحهم، ومخالطتهم، وصيانة أموالهم، وتطهيرها والنهي عن أكلها.
ونحن - بحمد الله - في هذا المجتمع الآمن نجد أن لرعاية الأيتام بيننا نصيباً وافرا، ومجتمعنا ـ بحمد الله ـ مجتمع متراحم مترابط متماسك يسوده العطف والرحمة والإحسان، وندرك أن من واجبنا أن نقوم على هذه الحقوق تجاه هذه الفئة الضعيفة من المجتمع وهذا هو عزنا ونصرنا ورفعتنا... حتى انتشرت مؤسسات الرعاية الاجتماعية في بلادنا وانطلقت بمنهج خاص يستمد نهجه وسيرة من أصول الإسلام.
وعلينا - نحن المسلمين - أمانة عظمى ومسؤولية كبرى في دعم هذه المؤسسات الاجتماعية ومساندتها، فهي تقوم بواجب عظيم نحو الأيتام ومن في مثلهم فإذا فعلنا ذلك لقيت الانتشار الواسع والعطاء الممتد...
واجبنا أن نتعاون جميعاً في الدعم والمساعدة لقضاء حوائج الأيتام، وإدخال السرور على أنفسهم، وكشف كربهم.
ومن أشد الكروب التي يواجهها كل مجتمع اليُتْم وما يتبعه من ضعف وضرر وحاجة وما يقدم له من دعم وإسهام يحفظه من ذلك. والله تعالى يقول: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيرا" ويقول سبحانه: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله".

عميد كلية أصول الدين
نص خطبة الجمعة 17 ذو القعدة 1427هـ التي ألقاها د. الشثري في جامع الأمير سلمان بن عبد العزيز في المعذر

الأكثر قراءة