مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟

[email protected]

.. الحلقة 13 والأخيرة

الخلاصة
استعرضت الحلقات الماضية آراء خبراء النفط بشكل مبسط حول مستقبل أسعار النفط. يرى أنصار نظرية التغيرات الهيكلية بأن التغيرات الهيكلية اللتي مرت بها أسواق النفط العالمية ستحافظ على المستويات المرتفعة لأسعار النفط، بينما يرى البعض منهم أنها ستستمر بالارتفاع حيث توقع بعضهم وصول أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل. أما أنصار نظرية التغيرات الدورية فإنهم يرون أن كل التغيرات الهيكلية هي دورية في النهاية، لذلك فإن أسعار النفط ستنخفض.
لا شك أن لكل فريق حججه وأدلته، ولكن الحلقات الماضية بينت أن تاريخ صناعة النفط أثبت أن التغيرات الهيكلية اللتي تسهم في رفع أسعار النفط تبعتها تغيرات هيكلية معاكسة خفضت أسعار النفط، لذلك فإن وجود تغيير هيكلي في السوق لا يعني أنه دائم. كما تبين أن كثيراً مما يوصف بأنه تغيرات هيكلية ليس هيكلياً على الإطلاق، بل هو تغير دوري أيضاً.
بناء على مقارنة النظريتين في الحلقات الماضية لا يمكننا إلا أن نرجح نظرية التغيرات الدورية، خاصة في ظل غياب بيانات مؤكدة عن بلوغ الإنتاج العالمي ذروته. إن بلوغ الإنتاج العالمي ذروته هو التغيير الهيكلي الوحيد الدائم الذي يقلب الأمور رأساً على عقب، ولكن الأدلة على ذلك ضعيفة في الوقت الحالي، خاصة أنه حتى مؤيدي نظرية بلوغ الإنتاج العالمي ذروته يؤكدون أن ما تم إنتاجه من االنفط هو نصف ما يمكن استخراجه فقط، وأنه مازال هناك حوالي ترليون برميل لم تستخرج بعد.
أسهمت العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والطبيعية والتقنية في رفع أسعار النفط خلال السنوات الماضية.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال تصنيف هذه العوامل على أنها تغيرات هيكلية تتطلب استمرار أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة. فالنمو الاقتصادي والاستثمارات في صناعة النفط ترتفع وتنخفض. وكما أن هناك بعض السنوات اللتي تشتد فيها الأعاصير أو برودة الشتاء، فإن هناك سنوات هادئة وسنوات ذات شتاء معتدل. وعلينا أن لا نذهب بعيداً للبحث عن أدلة حيث إن بعض أسباب انخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة يعود إلى انخفاض حدة الأعاصير في خليج المكسيك وتوقع شتاء معتدل.
لصناعة النفط خاصية تغاضى عنها أصحاب نظرية التغيرات الهيكلية. فتكاليف عمليات إنتاج النفط بسيطة جداً مقارنة بتكاليف الاستكشاف والتنقيب والحفر والتطوير وتجهيز الآبار للإنتاج. هذا يعني أن معظم التكاليف مدفوعة قبل أن يتم إنتاج قطرة واحدة من النفط. هذا يعني أيضا أنه يمكن الإنتاج في ظل أي سعر طالما أن السعر أعلى من تكاليف "عمليات" الإنتاج. وطالما أن تكاليف هذه "العمليات" بسيطة، فإن منتجي النفط يستمرون في الإنتاج حتى في ظل أسعار بحدود 10 دولارات للبرميل. لذلك فإن ارتفاع تكاليف الحفر والتنقيب لا يعني بالضرورة ارتفاع أسعار النفط.

المستقبل
تشير البيانات والتوقعات إلى زيادة ملحوظة في الإنتاج العالمي خلال السنوات القادمة، وإلى زيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول أوبك، وإلى انخفاض معدلات نمو الطلب العالمي على النفط إلى مستويات أقل بكثير مما كان متوقعاً. كما تشير إلى زيادة مطردة في الطاقة التكريرية للمصافي، والطاقة الاستيعابية لناقلات النفط. وعلى الرغم من الدور البسيط لبدائل النفط خلال السنوات القادمة إلا أن البعض يتوقع نجاح بعض مشاريع البدائل، خاصة بعد النجاح الكبير الذي أحرزته البرازيل في مجال الوقود الحيوي وانتشار السيارات ذات الوقود المزدوج.
بالإضافة إلى ذلك فإن البيانات تشير إلى أن تكاليف الحفر والنقل ستستمر بالانخفاض، إلى تحسن كبير في التقنية خلال السنوات القادمة. هذه التغيرات، مع اشتداد المنافسة، ستجبر الشركات على تخفيض السعر المجدي اقتصادياً لاستخراج النفط، والذي سيسهم في زيادة إنتاج النفط.
إن هذه التغيرات يمكن اعتبارها تغيرات "هيكلية معاكسة"، والتي تؤدي بدورها إلى نتيجة حتمية:
تغيرات هيكلية + تغيرات هيكلية معاكسة = تغيرات دورية
والتي تعني، باختصار، انخفاض أسعار النفط وتذبذبها، تماماً كما حدث خلال الـ 150 سنة الماضية.
قد يرى البعض أن أوبك ستخفض الإنتاج لوقف انخفاض الأسعار. إن أثر أوبك في أسعار النفط محدود جداً وتاريخها خلال الـ 25 سنة الماضية يدل على ذلك. ليس من صالح أي دولة أن تخفض إنتاجها الآن لبيع نفطها فيما بعد بسعر أقل.
إن الدولة الوحيدة اللتي تستطيع التأثير في أسعار النفط، وضمن حدود معينة، هي السعودية، ولكن السعودية لن تقبل الاستمرار في تخفيض الإنتاج مع استمرار الأسعار بالانخفاض لأسباب اقتصادية بحتة. ولن تقبل أيضاً أن تخسر حصتها السوقية لصالح دول منافسة ستستمر بإنتاجها على حساب حصة السعودية في أسواق النفط العالمية. لذلك فإن انخفاض الأسعار تحت حد معين يعني احتمال استمرار الأسعار بالانخفاض، كما حدث عدة مرات في الماضي.
لقد أصبح واضحاً أن أوبك انتهجت أسلوباً جديداً خلال السنوات الماضية يعتمد على عنصري "الإشارة" و"المفاجأة". فهي ترسل إشارات للسوق، ولكنها ستفاجئ السوق إذا تجاهل التجار إشارات أوبك. المشكلة أن هذا الأسلوب قد يحقق بعض النجاح في جو الأسعار المرتفعة ولفترة قصيرة من الزمن، ولكنه أسلوب فاشل عندما تبدأ الأسعار بالانخفاض، وسيسهم في تدمير مصداقية المنظمة.
خلاصة القول إنه على عكس رأي أنصار نظرية التغيرات الهيكلية فإنه يمكن لأسعار النفط أن تنخفض إلى مستويات ما قبل عام 2004. وعلى الرغم من أنه ليس هناك أدلة تشير إلى احتمال انهيار أسعار النفط خلال السنوات القادمة، إلا أن أسواق النفط العالمية قد تنهار لفترة قصيرة من الزمن. متى؟ بعد فترة قصيرة من انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وانخفاض الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة. هذه التطورات ستؤدي إلى حالة من الكساد في الاقتصاد الأمريكي، والتي ستؤثر بدورها في الاقتصاد العالمي. طول فترة الكساد سيعتمد على مدى أثر حالة الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد الصيني, لذلك فإن عام 2009 سيكون مليئاً بالمفاجآت، ليس فقط بسبب التطورات على الساحة الأمريكية، وإنما بسبب تطورات أخرى في عالم النفط لا مجال لذكرها الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي