( خـِذْ ما لاحْ وخـَلْ ما رَاح )

[email protected]

المعاناة الحياتية الصادقة شقائق المواطن الإنسان الحي المشاعر، الواسع الاطلاع، المتألم لتخلف الأداء المجتمعي عن المستويات المرسومة، المتضرِّر لضياع حقوقه، المصدوم في نقص أساسيات معيشته، وفقدان أهم عناصر الحياة من الماء والهواء والكهرباء والنقل العام.. إلخ، (المكتوي) من ارتفاع تكلفة فاتورة الكهرباء، وانقطاع تياره وتردي ذبذباته، وفقدان الحرص مجتمعياً في استخداماته الخدمية وتقاسم فوائدها، بضرر وضرار، وتجنب مخاطر الطرقات وكثرة حوادثها في داخل المدن وبين بعضها بعضا. تمادي التعايش المجتمعي (السايب) و(التبليم) المفرط، وحالة التآخي مع السلوكيات الضارة غير الحضارية المسموعة والمقروءة من عينات التصريحات الرسمية ووجهات النظر الشخصية المحلية والأفكار الصحافية العمودية، تزيد من بشاعة احتمال تآخِينا مع إفرازات المشاكل الاجتماعية الضارة وتقبلها بسلام الآمنين وباستسلام الخائفين المفرَّغين من الشفقة على أنفسهم والرحمة للمقربين منهم، قانعين مطمئنين، لتجير المسؤولية الرسمية على ضحايا المواطنين، لعطش قارص أو ظلمة قاتلة أو مواطنات مدرسات قتلى وجرحى لمجرَّد تنقلاتهم اليومية في باصات مستأجرة (وخيابتهن) عدم امتلاك مرسيدسات فخيمة، تدفع مسؤول (التربية) بعد الجهد (أن يوضِّح الماء بالماء) وبعظمة لسانه للصحافة المحلية، قوله إنَّ الوزارة ليست مسؤولة عن القتلى والجرحى من المدرسات المواطنات، لأنَّ تنقلهن ليس في سيارات الوزارة. الصحافة المحلية نشرت الخبر وكسبت (النيق) وحققت السبق بدون متابعة هادفة. برامج التنمية الاجتماعية المفيدة تقوم على نوعية إعلانية واعية وثقافة عالية وخُلق رفيع، حتى يبتعد المستوى التربوي عن حافة الحضيض الذي قاربنا أن نصل إليه. الثقافة أصبحت مثل (قرب) المياه المخروقة، تفرِّغ وتملـِّي بدون عائد (يدرِّج) البلاد والعباد معرفة حقيقة الطريق التنموي النهضوي، بسرعة الجمل من داخل العصر الفضائي.
المقارنة لنوعية الحياة الاجتماعية السليمة والأوضاع الاقتصادية المتطورة ليس بين الأمس واليوم على مدار نصف قرن انقضى و(ولـَّى) بدون رجعة. المقارنة للقيم والماديات والأخلاق والخلق والتقدم العلمي وراحة البال واطمئنان النفس والاستقرار.. إلخ، لما تريد أن تحققه والمحافظة عليه مجموعة شرائح القيادات والمواطنين المستفيدين، مع تغير الظروف المحلية والملابسات الداخلية والضغوط الخارجية، والمتوفر من الثروات والقدرات والطاقات والتحديات والاهتمام بالعلم والمعرفة والتقانة والتكنولوجيا.. إلخ. الهمس في الأمور المعيشية يتعب الأعصاب والجهر الفرادي الراصد لشوائب الحياة صوت مقزز نشاز المنفعة، والشاكون المتضررون في معظمهم مؤتمنين لتحقيق المهمات في أعمالهم الرسمية والأهلية والخاصة، بدرجات متفاوتة (لسمنهم ودقيقهم) من الثراء والحاجة، ورداءة الطبخة و(لخبطة) الخلطة. المياه في جدة انفجرت فجأة وأوجدت مشكلة صوتية لأيام (نفـَّست) الصحافة عظائم قدراتها وفردت بساطاً أحمدياً، لكبار المسؤولين عن الظمآنين، ليستعرضوا بطولاتهم العلمية، بكلمات لا تنم عن جهالة ولا توفر علما وفيها روح (السوطرة) القاسية، وشر البلية ما يضحك!!
كمية المياه الإجمالية المتوافرة لأيام ذروة المشكلة، ربما لم تتغير تركيبة الطلب السكاني لمدينتي جدة ومكة المكرمة محافظ على حالته السالبة. ربما أحوال (التوزيع) لندرة المياه، وزيادة الطلب الرسمي خلال شهر رمضان المبارك. التعديل بين المنطقتين المتقاربتين بدون التهيئة الإنسانية، والاستعداد العلمي المدروس والتوجيه بزيادة الحرص والاقتصاد في الاستهلاك حتى ولو كان على طريقة (قرص) النملة ليخرج منها دم... على الرغم من علمنا أنه لو عند النملة (دم) لما استأنست من قرص الإنسان المواطن. أعرف مواطن (جداوي) قريب لنفسي يدفع فاتورة المياه شهرياً لأكثر من أربعة عشر عاما، ويأكل (هواء) طوال السنوات المذكورة عالية، من ماسورة مياه الهيئة الرسمية. قوة احتمال المواطن (الجدَّاوي) للهْم الاجتماعي والغم المترتب واسعة: لمعاناة تكاليف فاتورة الكهرباء العالية ونقص المياه، وتسريح الأمهات المدرسات عبر الجزيرة العربية بمرتبات منخفضة ومراتب منقوصة وسنوات مددها تفوق متطلبات انتدابات مددها النظامية، دون الاهتمام بسلامتهن والترحم على موتاهن والشفقة على جرحاهن.. إلخ. إذا هذه قيمنا، فنحن بعيدون عن ديننا، وإذا هي همنا للرقي والتطور واللحاق بحضارات سبقتنا، فإنَّ الأمر يحتاج إلى مراجعة. العالم شاهد على أعمالنا والله محاسب لظلم بعضنا. يجب ألا يغيب عن بالنا، وأن نضعه في خرصنا: حتى مشكلة الماء المحلية لم تفت الراصدين الغربيين ولم يفتهم تحليلها وفقاً لاجتهاداتهم وظلمتهم لعلومنا: العالمان الغربيان في تقيم الارتواء الجداوي المائي للمواطن. ارتأوا أنَّ المحنة مصطنعة والمشكلة مدبَّرة محلياً و(الطبخ) على نار هادئة تغطية لتشييد شركة المياه الوطنية المعلن عنها بعد يومين من (الافتعال). هذا ملخص مقتطب لقراءاتهم.. وتوتة.. توتة خلصت الحدوتة.
متابعة مجريات المعاناة الاجتماعية الاقتصادية، لا تعطي نتائج أحسن مما نحن عليه، بمفاهيمنا المعتادة، ودورانها حول نفسها، وقناعاتنا أنَّ المتسبب في قيامها خلافنا والمسؤول عن معالجتها غيرنا وإماطة الأذى عن العباد ليس من طبعنا (المودرن). المنظر الاجتماعي الذي نحن عليه: الكل منا قابع في مكانه و(حاتط ببطنه بطيخة صيفي) وقاعد رجل على رجل يتوقع من (المسؤول) الإنصاف ومن القاضي العدل ومن الطبيب الشفاء ومن التاجر ألا يكون البائع (باخيضر والمشتري باخيضر).. إلخ. فِكـْر هيك.. لا يسقى (شربة موية)، ويسيل (لعاب). نعيش في عالم مثقفين يتحدثون بطلاقة عن توفير المساندة للمسؤولين والتعاون مع الأجهزة الرسمية والأهلية والخاصة للرقي بمستويات الأداء وتحسين الإنتاجية وعدالة توزيعها وفقاً للخطط الحكومية وتوجيهات الدولة، ويغيب عليهم (فضاوة) وضياع جدوى نقاش تخلف الأداء المؤسساتي وعجزه عن التغلب على الطرق والوسائل السليمة، وزادته أنانية فرض استحقاقية الفرد على الجماعة، خلافاً للسنن الحميدة والقيم الإسلامية ومعارضة النظم والقوانين، ومخالفتها في السر والعلانية من المسؤول الحكومي والمواطن العادي.
البديل (لطق الحنك) والسولفة المُسلية لضياع الوقت والأضرار الجانبية، الترويج لفكرة (تشهير) قيام مؤسسات المجتمع المدني لخدمة أغراض مجتمعية واضحة ومحددة تعاوناً مع الجهات الحكومية والرسمية والأهلية والخاصة تماثلاً مع الجمعيات الدينية والوقف الإسلامي، ومراكز الأحياء والغرف التجارية بالأساليب التي توفر جماعياً، تحسين الأداء الخدمي مجتمعياً، دون التدخل في القيم الرسمية الموضوعة وتوفر القبول والترحيب الرسمي للمشاركة وبدون سلطوية حكومية مُقيِّدة، ووفقاً لطرق علمية وأساليب تنموية ومستويات خلقية مستنبطة من واقع تعاطيات المشاكل الاجتماعية الاقتصادية والأسرية المحلية المعنية والمفاهيم الخاطئة. القائمون على التطوع المدني حريصون على توجيه جهودهم وتركيز اهتماماتهم على المشكلة المختارة وعلاقتها بواقع الحياة، وقبول دعم الجهة المسؤولة للتعاون والتفاعل، مما يتطلب سرعة تسجيل هيئات المجتمع المدني والموافقة على المشتركين فيها وإبراء ذمتهم من أي أضرار تترتب على (تحيّزهم) لعمل الخير وتوضيح المحاذير الواجب تجنب العضو الوقوع فيها. فكرة المجتمع المدني التي ليست جديدة على العالم العربي وقائمة في المملكة، مأخوذة أساسا من المجتمعات الغربية ونشأتها بنيت من داخل المجتمع الغربي التطوعي والمفهوم الديمقراطي. المثقفون العرب في كثير من الدول العربية، يُتـَّخذون من الخلافات السياسية القائمة بينهم قبول ورفض فكرة المجتمع المدني التي تربط بين تحسين الأداء الاجتماعي والتغير السياسي ضمن المفاهيم الغربية الديمقراطية. لبنان والمغرب يدفعان بحرية قيام مؤسسات المجتمع المدني للعمل التطوعي الاجتماعي ضمن النظم القائمة. أفكارنا وتوجهاتنا السياسية في الغالب لا تتمازج سياسياً مع غيرنا، وإصلاح أوضاعنا مجتمعياً يستفيد من النقاش الهادف المفتوح لهذه الآلية لمحتوى وطني محلـِّي تطوعي جماعي واضح الأهداف، مقبول النوايا ويتماشى مع منطوق النظام القائم وروحه.
النقاش الدائر محلياً بين عدد من المثقفين والمثقفات عن أهمية تشجيع قيام مؤسسات المجتمع المدني خال من الخلفيات السياسية الخافية عليهم، ولا يسترجي إلاَّ المشاركة النافعة للمجموعة خدمة للمجتمع ومواجهة الفرد القادر على أن (يشلفط) معطيات الخير لغاية في نفس يعقوب وعملاً بقوله تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرراً إلاَّ ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاَّ نذير وبشير لقوم يؤمنون). يرى الدكتور محمد مورو أنَّ (الإشكالية في أنَّ المصطلح، ومعظم مصطلحات علم السياسة الحديثة مستمدة من سياق علم الاجتماع وظروف مجتمعية مختلفة عن سياق مجتمعاتنا ومفاهيمنا ومرجعياتها، وهكذا وبسبب عدم وجود علم اجتماع نشأ وتطور - أو إهماله إن وجد - في إطار سياقنا الحضاري، فإنَّ اللـَّبس سيظل هو سيد الموقف بخصوص الكثير من المصطلحات والقضايا). ويستطرد القول (وظهور المجتمع المدني، أمر لم يحدث عندنا لا في النص ولا الممارسة، ومن ثمة فالمضامين التي يحملها المصطلح ووفقاً لسياقه الاجتماعي ستختلف بالضرورة في غير السياق الحضاري الغربي) وحتى للمواطن (البهلولي)، فإن العبرة بالمخبر قبل المظهر.
الدولة والمجتمع والحكومة من المفهوم الإسلامي (مدنـِّية) منذ أربعة عشر قرنا لمصلحة الجماعة خلافاً للغرب الذي يرى رقيها لتكون لمصلحة الفرد. اهتمام المثقفين والمثقفات السعوديين بالمضمون والعمل التطوعي الجماعي دون الغوص في أيديولوجيات غريبة، ربما يجعلهم يفضلون أن يعكس الاسم حقيقة المسمى من المصطلحات الكثيرة المتداولة مثل (العمل الأهلي، القطاع التطوعي، تحفيظ القرآن، إيواء يتم.. إلخ). اهتمام التطوع الأهلي ليس خدمة للفرد نفسه من وازع الوطنية بقدر ما هو تطوع الفرد المواطن للعمل الجماعي للرقي بمستويات الأداء والخدمات للتطلعات الاجتماعية والاقتصادية، المرسومة والبعد عن المستويات المتدنية في الأداء والتعاملات المشوبة علانية والمفهومة ضمناً. وفهم الدكتور محمد مورو (أنَّ الإشارة في القرآن دائماً إلى الأمة، والرسول صلى الله عليه وسلم اختار أن يضع دستوراً مدنياً بالمدينة المنورة والنص القرآني مفعم بتلك المعاني بقوله تعالى "وما على الرسول إلا البلاغ - "وقل الحقُّ من ربكم فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر").
الفهم للفكرة التي تدور في خلد كثرة من المثقفين السعوديين والسعوديات، النهوض وتحسين تعاطيات وتنظيمات العمل الجماعي التطوعي الديني الذي تقوم به جمعيات إسلامية في نشاطات محدَّدة الهدف ومحدودة الغاية وتتمركز على مجهودات فردية (تتنازع) التبرعات وكأنها الهم المفتقد، وبدون اعتبار لأهمية التعاون لزيادة فعاليتها وتقوي شوكتها والدفع بها، للمساهمة ضمن المفاهيم الدينية في أعمال خيرية مستدامة طبية وصيدلانية وثقافية وخدمية وتعليمية ومعيشية أسرية وثقافية... إلخ تتزاحم أهلياً مع مؤسسات رسمية وخاصة قائمة. العمل التطوعي المحلي الديني نشيط وقديم وأداء يحتاج أن يرقى لتحديات العصر الذي نعيشه والتحديات التي نحياها، ويصل لمستوى المؤسسات العامة والشركات المساهمة في الشفافية والإيضاح والقيادة الإدارية والخدمية والتنمية. الفراغ الاجتماعي الذي يزعج المثقفين والمثقفات السعوديين في النوعية المحدودة من الحماس الكبير للجمعيات الدينية التي يتولى شؤونها وشجونها من هم على قدر العزم وسعة الصدر لاحتواء أفكار هادفة، مسيرتها تحتاج إلى دراسة حكيمة وتنظيم واع يتولاها رؤساء ومديرو هذه الجمعيات، ربما في هيئة مجلس أعلى يضمهم وينسق مجهوداتهم ويحدد مسيرتهم وفقاً للاحتياجات المجتمعية الجماعية التي تدور في أفلاك المجموعة وليس الفرد ولا (التكتيفة) السلطوية الرسمية. الاحتياجات الحديثة كثيرة ومعقدة ومتخصصة. التوسع في إقامة الجمعيات الأهلية المتخصصة نشاط حميد. سهولة تسجيلها مطلب قومي لا يمكن إغفاله وخدمة تطوعية فوائدها حجة وحاجة. القناعة متوافرة مجتمعياً أنَّ إجراءات التسجيل معقدة ومطولة ومعجِّزة وبدون فائدة ولا تتمتع بروح الحماس لقيامها. حقوق الفرد المتطوع وواجباته ضروري إيضاحها للعمل بحرية من خلال العمل التطوعي المسجل رسمياً دون تشويه سيادة السلطوة الرسمية. التنمية الاقتصادية الاجتماعية نجاح قيامها ليس (مرصودا) بالأموال والتشيدات الأسمنتية، بل (مصدود) بمستويات متدنية من الحماس في الإتقان وحسن الإنجاز والمصداقية والأخلاق الحميدة. الإنسانيات الفاضلة لا يحكمها النظام والقانون. العقاب لا يغير ولا يقلل من قيمها. تشجيع المواطنين لإقامة الجمعيات الأهلية التطويعية العامة والخاصة النشاطات، والتزاحم يدعمها قول الحق (لا خير في كثير من نجواهم إلاَّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس). والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي