العيد استراحة الأسهم
لعل استراحة العيد تكون مناسبة لتقييم أمور سوق الأسهم. البعض يعتقد أن الاستثمار في سوق الأسهم يعني المضاربة اليومية والبعض الآخر يعتقد أن الاستثمار يجب أن يكون متوسط أو طويل المدى. قد تكون هذه فرصة لتحديد استراتيجيات الاستثمار في السوق وتقييم المحافظ وتحديد الأهداف الاستثمارية. قد تكون هذه فرصة مناسبة للتأكيد على أنه ليس كل ما يعرض على الشاشة يمثل حقيقة وضع السوق. لا يرى المتداولون إلا اللون الأخضر أو اللون الأحمر دون معرفة ما يجري حقاً في السوق. لعل استراحة العيد تعطي هيئة السوق المالية فرصة لتقييم الوضع الحالي وبحث الاقتراحات والخيارات. رغم أن دخول عدد كبير من الشركات يتطلب إعادة النظر في قطاعات السوق إلا أن إنشاء السوق الثانوية لا يبدو أنه سيتحقق قريباً. وبالرغم من أن شركات الوساطة ستبدأ مهامها أخيراً في السوق قبل نهاية العام الحالي وأن الهيئة تقول إنها تدعم قيام تجمع للمحللين الماليين ومحللي الأسهم، إلا أن الهيئة لم تبادر بعد بتطبيق نظام حوكمة الشركات لتحقيق الشفافية والإفصاح في السوق المالية.
لعل استراحة العيد فرصة مناسبة أيضاً لبحث أسباب الانهيار الذي حدث في السوق وعما إذا كان هذا الانهيار (الله لا يعيده) هو دورة تقليدية تمر بها جميع الأسواق العالمية وأن السوق مرشح لتحقيق عوائد قيمة للمستثمرين على المدى الطويل. هذه فرصة أيضاً للتساؤل عن أهداف ومصلحة من يسعون "لترويض" المؤشر لخدمة شركات المضاربة. هناك مثلاً القروبات التي تسيطر على الشركات الصغيرة والتي غالباً ما تفسد سوق الأسهم - مجازاً - بمضاربتها العشوائية. هل كان بإمكان هذه القروبات القيام بما قامت به دون وجود محافظ "كبيرة" فرضت السيطرة التامة على مؤشر السوق؟ حركة المضاربة التي سيطرت على السوق في فترة قبل العيد كان لها دور كبير وفعال بتحريك السيولة وإغرائها وكانت المسيطرة في الفترة الماضية, خاصة أثناء فترة الحظر لأعضاء مجالس إدارات الشركات والمديرين التنفيذيين والماليين من التعامل خلال الفترة التي تسبق الإعلان عن نتائج أعمال الشركات. المتوقع في الفترة المقبلة أيضاً أن تستفيد قوى المضاربات في تسيير مضارباتهم دون منافسة مع ارتفاع شهية التعامل بالمضاربة العشوائية بعد كل إجازة وتوقف قصير عن التداول. هناك سيولة تتعطش للاستثمار من شركات وأموال مكدسة في المصارف، إلا أن حجم هذه السيولة لا يزال ضعيفا ودون المستوى المطموح إليه فنيا، لترسيخ دعائم السوق أو إضافة عمق جديد تحتاج إليه الأسهم للاستقرار. المفارقة العجيبة هي أن المحافظ المضاربة في السوق السعودية تمثل أكثر من 80 في المائة من إجمالي المحافظ في السوق بينما تراوح المحافظ المضاربة في بقية الأسواق في دول العالم بين 5 و7 في المائة.
لعل استراحة العيد تكون فرصة للبنوك للاستماع لتذمر المواطنين من عدم بيع أسهمهم بسعر مرتفع وتنفيذ المصارف أوامر البيع بأسعار أقل. لماذا تتأخر المصارف مثلاً لعدة أيام في تحويل قيمة الأسهم إلى حساب العميل وإعطاء أكثر من أمر لتنفيذ عملية البيع الواحدة؟ البنوك تلوم مؤسسة النقد والمؤسسة تلوم "تداول" والمتضرر الوحيد هو المواطن. هناك أسئلة عن أسباب عدم معالجة خلل سوق الأسهم في الوقت الذي نسمع تصريحات عن بناء استراتيجية متكاملة من خلال إنشاء شركة للسوق المالية وهيئة للمحللين الماليين وسوق لتداول العملات وربطها بالأسواق العالمية وصندوق للصناع وفصل الوساطة المالية عن البنوك. لا بد أن هذه التصريحات تزيد من حجم ثقافة المتعاملين التي تكون عادة أكثر حذراً وتحوطاً، مما قد يقلل من وقوع هزة عنيفة جديدة في الفترة القريبة المقبلة.
كلنا أمل أن استراحة العيد ستكون فرصة مناسبة لإعادة التأكيد على أهمية استقرار السوق. ولكن الواقع يفرض اكتمال البيئة التنظيمية والتشريعية إضافة لفتح قنوات استثمارية جديدة والقضاء على الغش والتدليس والتغرير بالمتداولين وتطبيق العقوبات الصارمة بحق المخالفين. يبدو أن هيئة السوق المالية تراهن على أن السوق في حاجة إلى وقت إضافي حتى يتعافى ويعود إلى مستويات معقولة تعكس الأداء الفعلي للشركات والاقتصاد الوطني. السؤال هو لماذا ازدادت حدة المضاربة في سوق الأسهم السعودية بعد الحملات التوعوية المكوكية التي تنظمها هيئة السوق المالية للمستثمرين في 14 مدينة سياحية؟