(البيعة) و(ولاية العهد) تخرجان إلى "العلن"
صدور نظام البيعة لم يكن صدمة سياسية بقدر ما كان مواكباَ لمسيرة التحديث الذي اتصف به النظام الملكي السعودي، كما أنه ليس "نظاما جديدا" بل يعد تفسيرا وتفعيلا للمادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم، ولا تسري أحكامه نظاماً إلا مستقبلاَ كما نصت عليه المادة "الثالثة" وسيكون أولا إعمالها فعليا بعد وفاة الملك حسب المادة السادسة، حيث يتم بعدها الدعوة لمبايعة ولي العهد فورا ملكا للبلاد، ثم مشاركة هيئة البيعة في اختيار ولي العهد حسب المادة السابعة ! إذن "الجديد في النظام" هو حجم المشاركة للعائلة المالكة في اختيار "ولي عهد المستقبل" والتي يقدر عدد أعضائها بـ 35 عضوا تقريبا بعد أن كان القرار للملك وحده.
أما عن أهمية القرار إعلاميا، فقد كان الإعلام السعودي سابقا يتجنب الحديث عن آليات الاختيار للحكم الملكي باعتباره حديثا خاصا وليس عاما وحتى معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ صالح بن حميد في حديثه للقناة الأولى عن نظام البيعة لم يستعجل الرد على طلب المذيع تفسير كلمة الأصلح وترك تفسيرها للوقت. وفي كتابنا "النظرية السياسية في توحيد الأمة للملك عبد العزيز"، أشرت أنا وزميلي يوسف بن حمد التويم إلى أن المجتمع السعودي سابقا لم يكن مجنبا في آليات المشاركة في نظام الحكم، لأنه ليس هناك الكثير مما يقولون خارج إطار الأنظمة الموضوعة. ولكن حين صدر النظام الأساسي للحكم عام 92م أصبح المجتمع السعودي معبرا عن نفسه وكذلك المواطن مشاركاً من خلال الأجهزة الرسمية مثل "مجلس الشورى والمجلس البلدي ومجلس المنطقة" وشبه الرسمية "مجلس الغرف التجارية".
إن النظام الجديد جاء بهدف تفسير وتفعيل المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم واشتمل نظام البيعة على 25 مادة. كذلك حرص الملك عبد الله في القرار الملكي على تأكيد ثوابت هذا الوطن وهي أن العقيدة الإسلامية هي الرابطة بين المواطن والحكم، فكان النص الذي عبرت عنه "المادة الثالثة" من نظام البيعة بالتالي: "تلتزم هيئة البيعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على كيان الدولة، وعلى وحدة الأسرة المالكة وتعاونها، وعدم تفرقها، وعلى الوحدة الوطنية، ومصالح الشعب". ثم بعد ذلك استكمل النظام آليات العمل من "المادة الخامسة"، التي تنص على أن يؤدي رئيس وأعضاء الهيئة وأمينها العام قبل أن يباشروا أعمالهم في الهيئة أمام الملك القسم التالي (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني، ثم لمليكي وبلادي، وألا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها، وأنظمتها، وأن أحرص على وحدة الأسرة المالكة وتعاونها، وعلى الوحدة الوطنية وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل).
إلى المادة الثامنة، التي ذكرت الضوابط الواجب توافرها في المرشح لولاية العهد بموجب نص المادة الخامسة الفقرة (ب) من النظام الأساسي للحكم. وهو أن " يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم، على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولم تضف المادة الثامنة من نظام البيعة تعريف (الأصلح) وكان من الأفضل تحديدها بشكل خاص وليس في إطارها العام.
وبشكل عام، مبدأ الاستقرار في نظام الحكم مهم للأسباب الآتية:
(أولاً) أهمية الاستقرار على خلفية أن أي تحول اقتصادي أو اجتماعي في المجتمع لن ينجح إذا كان هناك تهديد لمستقبل البناء الوطني الذي يقوم عليه النظام السياسي.
(ثانياً) إن مبدأ الاستقرار يمنح النظام الاجتماعي الكلي Total Social System الفرصة تدريجياً لأن يعد نفسه لمطالب التغير للعناصر الموجودة في داخله.
(ثالثاً) إن فكرة الاستقرار تثبت أن الأجزاء المكونة للنظام الاجتماعي متعاونة بدرجة يمكن لبعض منها أن ترغم الأجزاء الأخرى على التعاون بأحسن طرق الشورى بينها.
يقول ديفيد ايستون في كتابه "النظام السياسي": "إن العلاقة بين التغيير والاستقرار يمكن رؤيتها في الحاجة إلى تغيير الأنظمة في المجتمع وقدرة القيادة الحاكمة على التجاوب مع هذا التغيير في إطار نظام القيم الكاملة Value System total لذلك المجتمع.
وفي هذا إلاطار نجد وصف قيادة الدولة، التي حدد إطارها ووضع معالمها الملك فهد، رحمه الله تعالى، في نظام الحكم، والذي جاء مؤكداً لنظرية علمية تسمى "قدرات القادة"، التي نادى بها كل من جبرائيل الموند وبنجهام باوول. إن هذه النظرية التي تتلاقى عملياً مع الوصف الدقيق لوظيفة الدولة، وتنطبق على قدرة القيادة السعودية على تخيل مطالب المواطنين وتحويلها إلى أعمال بناءة هادفة تسعى إلى تحقيق الصالح العام.
غير أن حجر الزاوية المهم في هذا الجزء هو الاستقرار، وهو قد درس ورسم بكل عناية ودقة علميتين بواسطة كارل دويتش، في كتابه "أعصاب الحكومة"، خصوصاً في نظريته عن "رد فعل المجتمع والتوازن"، هذه النظرية تشرح لنا أن نموذج رد الفعل الاسترجاعي يمكن وجوده في كل شبكات الاتصال المستغلة، بغض النظر عما إذا كانت شبكات يسيطر عليها جهاز الأنظمة الحكومية أو المنظمات الاجتماعية ـ بمعنى آخر فإن نظرية رد الفعل الاسترجاعي – أو كما يطلق عليها غالباً من الناحية الميكانيكية للقرار آلية المؤازرة في المجتمع.
وانطلاقاً من هذه النقطة فإنه يمكن الاستنتاج أن الاستقرار والتحديث في إجراءات عملية رد الفعل يمكن أن يحدثا بناء على مقدار مدى تحقيق الهدف المراد إنجازه، وفي ضوء ما سبق فإن تنظيم آليات الحكم سيؤدي إلى تقليل الأخطاء، وبالتالي تضييق الفجوة القائمة بين القادة والشعب، ما سيساعد على تحقيق الاستقرار في العمليات السياسية للنظام.
لذلك يمكن القول إن تحديث الأنظمة في النظام السياسي السعودي فريد في فعاليته، فالاستجابية أو التفاعل بين القيادة والمواطنين وسهولة اتصال أفراد الشعب السعودي بالقيادة من خلال الأبواب المفتوحة للملك والأمراء تعتبران من الصفات الأساسية لنظام الملكي السعودي، التي وضعها لنا مؤسس هذه الدولة المغفور له الملك عبد العزيز، والتي أسست وعمقت في كيان كل مواطن سعودي. وفي إطار هذه الصورة للنظام السعودي نجد أن "الاستجابة" و"سهولة الاتصال" تعتبران من أعظم الأسس المكونة للقيادة السعودية، وانطلاقاً من هذه الحقيقة التاريخية والعلمية، يمكن القول "إن استقرار النظام السعودي يستمد قوته من التفاعل المباشر، والمستمر والشامل بين القيادة الحاكمة والمواطنين.
ختاما أقول "الله البادي ثم مجد بلادي" وهي عبارة نمر بن عدوان يختم بها كل مقال، وسوف نظل نؤيد كل قرار يكون خاليا من الأشكال والأبنية أو التعريفات التي درج الغرب علي وضعها أو قبولها مثل "الدستور والبرلمان ومجلس النواب" ونحن نفتخر بأننا نموذج يُتبع ولا يتبع وننتظر الباقي من الأنظمة العدلية والقضائية، التي ستظهر في عهد الملك الميمون عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.