مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟

<p><a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a></p>

الحلقة العاشرة
زيادة صعوبة حصول شركات النفط العالمية على امتيازات في البلاد النفطية.

شهدت السنوات الأخيرة تباطؤاً في حركة الانفتاح الاقتصادي وتخصيص الأصول النفطية مقارنة بما كان عليه الوضع في نهاية التسعينيات، ومقارنة بتوقعات الخبراء في ذلك الوقت عما سيحصل بعد عام 2000. كما شهدت بعض الدول، خاصة روسيا وفنزويلا وبوليفيا، تراجعاً في هذا المجال وعودة إلى سيطرة القطاع العام على قطاع الطاقة، وزيادة الضرائب على شركات النفط الأجنبية.
بعد سنوات من الانفتاح والسماح للشركات الأجنبية للاستثمار في قطاعها النفطي، قررت الجزائر تحديد نسبة ملكية الأجانب في قطاعها النفطي. أما في العراق، فقد انقلبت الأمور رأساً على عقب. فبعد اتخاذ قرار بتخصيص قطاع النفط العراقي في بداية احتلال العراق، ألغت الحكومة الأمريكية فكرة إعطاء امتيازات لشركات النفط العالمية.
من جهة أخرى، قامت شركات النفط الصينية والهندية الحكومية بالاستثمار في مناطق مختلفة من العالم ودفعت مبالغ طائلة لا يمكن تسويغها اقتصادياً، الأمر الذي يجعل المنافسة مع الشركة الصينية أمراً مستحيلاً. باختصار، تضاءلت فرص شركات النفط العالمية في الوصول إلى مكامن النفط الغنية مقارنة بما كان متوقعاً في نهاية التسعينيات.

نظرية التغيرات الهيكلية
يعتقد أنصار هذه النظرية أن عدم تمكن شركات النفط العالمية من الاستثمار في منابع النفط الغنية أسهم في عدم مواكبة نمو الطاقة الإنتاجية للنمو في الطلب العالمي على النفط، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية. نظراً لزيادة سيطرة الحكومات على قطاع النفط، ورفض عدد من الدول الغنية بالنفط السماح للشركات الأجنبية بالاستثمار فيها، فإن نمو الطاقة الإنتاجية سيظل محدوداً، الأمر الذي سيضمن بقاء أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة. هذه التغيرات الهيكلية تؤثر في أسعار النفط على المدى الطويل، ولا يمكن تغييرها بسرعة مجرد تغيير الحكم في دولة ما، خاصة أن الاستثمار في قطاع النفط أمر طويل الأمد.
يستدل هؤلاء على العلاقة بين استثمارات الشركات الأجنبية وزيادة الإنتاج بأمور عديدة أهمها أن هذه الشركات، على عكس أغلب الشركات الوطنية، تقوم بتطوير التقنية وتطبيقها بسرعة. فهذه الشركات هي التي طورت الحفارات والمنصات للتنقيب عن النفط في المياه العميقة، وهي التي طورت أنواعا مختلفة من التقنيات التي خفضت من تكاليف الإنتاج بشكل مثير للإعجاب، وهي التي طورت حقول بحر الشمال وألاسكا.

نظرية التغيرات الدورية
يرى أنصار هذه النظرية أن هناك مبالغة في أثر شركات النفط العالمية في نمو الطاقة الإنتاجية، خاصة أن ارتفاع معدلات نمو الطلب العالمي على النفط فاجأ الجميع، ولا يمكن القول إنه لو حصلت شركات النفط العالمية على مزيد من الامتيازات لانحلت أزمة ارتفاع الأسعار. هناك عشرات الأمثلة التي تشير إلى أن شركات النفط العالمية لم تطور عددا من امتيازاتها النفطية رغم حصولها عليها منذ زمن بعيد.
إن أكبر الزيادات السنوية التي حصلت في الطاقة الإنتاجية جاءت من الشركات الوطنية، وليس من شركات النفط العالمية. في المقابل، انخفض إنتاج الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج رغم سيطرة شركات النفط العالمية على هذه المناطق. إضافة إلى ذلك، فإن الذي مكن شركات النفط العالمية من الاستثمار في تكنولوجيا جديدة هو عقودها التي تقدر بعدة مليارات سنوياً مع شركات النفط الوطنية. أما استثمارات الشركات الصينية، فإنها ستؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية في العالم، وستؤدي إلى إنتاج النفط في مناطق لا يمكن لشركات النفط العالمية الإنتاج فيها إما لفقرها أو عدم استقرارها، أو بسبب قوانين المقاطعة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، تم إجبار شركات النفط الأمريكية والكندية على ترك استثماراتها في جنوب السودان، بينما تقوم الشركات الصينية برفع إنتاج النفط في السودان بشكل مستمر.
لقد انخفض إنتاج فنزويلا، وانخفض نمو الإنتاج الروسي، ولكن هذا لا يعود إلى "شخصية المالك" بقدر ما يعود إلى التغيرات القانونية والسياسية التي ثبت عالمياً أنها تسهم مؤقتا في تخفيض الإنتاج، ولكنها ستؤدي إلى زيادة الإنتاج واستقراره في المستقبل. يرى البعض أن سيطرة هذه الحكومات على قطاع النفط والغاز وزيادة الضرائب على شركات النفط الأجنبية سيحسن من أمن الطاقة في الدول المستهلكة على المدى الطويل، لأن البديل هو غضب شعبي عارم وقلاقل سياسية قد تحرم الدول المستهلكة من نفط هذه البلاد بشكل كامل. بعبارة أخرى، تسهم زيادة سيطرة الحكومات على قطاع النفط في استقرار أسواق النفط على المدى الطويل.
بغض النظر عن الدوافع السياسية وراء إعادة سيطرة الحكومة على قطاع النفط في كل من فنزويلا وروسيا، وبغض النظر عما يمكن أن يتصوره البعض من دوافع سياسية تضع النفط تحت سيطرة حكومات الدول المنتجة، إلا أن هناك حقيقة تغاضى عنها أنصار نظرية التغيرات الهيكلية تتعلق بعدم إمكانية تحصيل الضرائب العادلة في كثير من الدول النفطية.
لنفرض أن هناك طالباً اسمه بترومان من بلد اسمها نفطستان تخرَّج بشهادة دكتوراة في الاقتصاد من أشهر الجامعات الأمريكية الداعمة لاقتصاديات السوق. ولنفرض أن بترومان مقتنع تماماً بأن الحل الأمثل لبلده النامي هو اتباع اقتصاديات السوق. وذات يوم، أصبح هذا الطالب رئيساً لنفطستان الغنية بالنفط. أراد بترومان تخصيص قطاع النفط، تماماً كما في الولايات المتحدة، وأراد تطبيق نظام ضريبي عادل وفقاً لما تعلمه في الجامعة الأمريكية، ووفقاً لما اقترحه أستاذه زيتمان، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، ومماثلاً للأنظمة البريطانية والأمريكية. فوجئ بترومان بأنه لا يمكن تطبيق نظام الضرائب لضعف الأجهزة الحكومية، وعدم وجود أنظمة محاسبية متقدمة، وعدم قدرة أغلب الموظفين على فهم النظم التي ستطبق. إن عدم قدرة الحكومة على فرض الضرائب المثلى وجمعها يعني أن الشركات الأجنبية ستنهب ثروات البلاد... وبشكل قانوني... بل وتحت حماية القانون. لذلك قرر بترومان أن أفضل وسيلة لحماية الثروة الوطنية في ظل الظروف الحالية هو وقف عمليات التخصيص وتعديل الاتفاقيات التي وقعتها حكومته مع شركات النفط العالمية. أليس هذا مماثلا لما ما فعله بول بريمر في العراق، والذي عين أصلاً لتخصيص النفط العراقي؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي