متى يتوقف موت المدرسات؟

[email protected]

في الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب تقع الأحداث نفسها وتتكرر من عدة سنوات، وهي تؤدي إلى وفاة وإصابة العديد من المدرسات والطالبات لدرجة أن الطرق التي تقع فيها هذه الحوادث أصبحت تسمى "طرق الموت" أو "طرق اللاعودة"، ولكثرة هذه الحوادث والوفيات، توقفت عن إحصاء عدد حالات الوفاة والإصابات المقعدة وسط المدرسات. ومما يؤسف له أنه بسبب توالي هذه الحوادث، اعتاد الناس عليها وأصبحوا لا يحزنون كثيراً كما كانوا يفعلون في السابق وهذا أمر مؤلم.
إن الحوادث عندما تتكرر بشكل شبه يومي فإنها تؤدي إلى الاعتياد، وبالتالي يتعامل الناس معها كأنها شيء عادي يتوقع حدوثه في أي وقت دون أن يثير الأحزان والألم.
وأثبت آخر حادثين وقعا في ضواحي جدة والرياض "الخورية" أنه رغم الوفيات الكثيرة، فإن السلطات لم تفعل شيئاً لوقفها أو الحد منها.
وحضر نائب وزير التربية والتعليم مراسم دفن المدرسات الخمس اللاتي قضين نحبهن في منطقة القويعية، وأعرب عن تعازيه لأسر المتوفيات، لكني، ومعي كل أفراد هذا الشعب العظيم، نقول بالصوت المليان إن التعازي وحدها لا تكفي.
إننا نطالب بالبحث والتقصي في سبب هذه الحوادث، ولماذا تقع بشكل متكرر، ولماذا لم يتم عمل أي شيء لوقفها أو على الأقل التقليل منها. وبالطبع فإن كلمات العزاء والتأثر الجوفاء لن تفيد، كما أن إنشاء اللجان لن يحل المشكلة.
والسؤال المشروع الذي يتبادر إلى الذهن في كل مرة تقع فيها مثل هذه الحوادث هو: لماذا تسافر هؤلاء المدرسات مئات الأميال يومياً للتدريس في مناطق بعيدة ويعدن على هذه الطرق الخطيرة نفسها، بينما الإداريون في وزارة التربية والتعليم يجلسون في مكاتبهم مكيفة الهواء وهم في كل الأحوال لا يحضرون إلى العمل في الوقت المحدد وهو السابعة والنصف صباحاً؟
وهؤلاء المدرسات، اللاتي يتعرضن للخطر في رحلتي الذهاب والعودة، يغادرن منازلهن قبل صلاة الفجر إلى مدارسهن البعيدة في باصات ليست آمنة يقودها سائقون لم يتم الكشف على نظرهم وبعضهم في الستينيات والسبعينيات من العمر!!!
وبعضهن، مثل المرحومة فاطمة ماطر، تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة الخطر اليومي في رحلتي الذهاب والعودة، لأنها العائل الوحيد لأسرتها، فهي تجيء من الجنوب إلى الرياض لتكسب لقمة عيشها. والآن ماتت هذه المدرسة الإنسانة، ونحن لا نستنكر الموت لأنه حق علينا، لكن الحفاظ على الحياة من أوجب واجبات العقيدة الإسلامية.
وسؤال آخر يلح على خاطري هو: هل تمنح الوزارة تعويضاً مادياً مناسباً ومزايا للمدرسات اللاتي يقطعن مئات الكيلومترات يومياً في الذهاب إلى المدارس والعودة منها؟ أعرف مدرسة تقطع 250 كيلو متر يومياً في الذهاب والعودة، ولأن زوجها يعمل فإن والدها هو الذي يقوم بتوصيلها. ما هذا النظام؟  لماذا لا نجد حلولاً لمثل هذه المشكلات؟  لماذا تعاني المدرسات ويتعرضن للموت بشكل يومي؟
وبدلاً من تطبيق الأنظمة والقوانين البالية، كان حري بوزارة التربية والتعليم أن تشكل فريق عمل وليس لجنة للنظر في هذه المشكلة وإيجاد الحلول الناجحة لها، ولا يجب أن يتكون فريق العمل من البيروقراطيين وأن يضم ممثلات لهؤلاء المدرسات حتى يتم الاستماع لأصواتهن وحتى ينقلن إلى الوزارة معاناتهن ومشكلاتهن الأسرية والاجتماعية والعملية. ولا أعتقد أنني كنت قاسياً على الوزارة، لكني بالتأكيد أعبر عن مشاعر الكثيرين في بلدي.
وأعلم تماماً أنه ليس في مقدور أي إنسان أن يوقف الحوادث، لكن لا بد من التفكير في إيجاد الحلول التي تؤدي إلى تقليلها، خاصة إذا كانت هذه الحوادث تنجم عن رداءة الطرق، ففي هذه الحالة يمكن سفلتتها وجعلها صالحة للاستخدام.
إن وفيات المدرسات وتعرضهن للإصابات المختلفة ليست مزحة وعلى هذا الأساس يجب أن تتعامل معها وزارة التربية والتعليم، فنحن نفقد سيدات وآنسات عزيزات علينا والمجتمع يفقد شريحة متعلمة من شرائحه المهمة والأسر المتمزقة لم تعد تثق ببيانات المسؤولين عن وزارة التربية والتعليم وتعازيهم.
وعلى الوزير نفسه أن يجعل حل هذه المشكلة على سلم أولوياته، وأن يقوم شخصياً بزيارة كل أسرة من أسر الضحايا وتقديم كل عون ممكن لها. وهذا بالطبع لن يساعد كثيراً، لكنه على الأقل يؤكد لنا أن هناك شخصاً مهتم.

فاكس: 6393223

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي