حلول عملية لإعادة الثقة المفقودة للشيك

<p><a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a></p>

قدرت إحصائية نشرت في جريدة "عكاظ" في العدد 14274، أن حجم قضايا الشيكات من دون رصيد (المرتجعة)، التي تنظرها وزارة التجارة والصناعة السعودية، قرابة ملياري ريال، بينما أشارت إحصاءات أخرى إلى أن عدد قضايا الشيكات من دون رصيد في مختلف مدن المملكة العربية السعودية، قد بلغ نحو 5800 قضية في عام 2004، كما كشفت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، أن مكتب الاحتجاج التابع لها، تلقي خلال السنوات الخمس الماضية، نحو 4214 قضية لشيكات من دون رصيد، بلغت قيمتها الإجمالية 1.649 مليار ريال، بينها نحو 604 قضايا خاصة بعام 2004، والتي قدرت قيمتها بنحو 46.9 مليار ريال.
هذه الإحصاءات المخيفة بل المرعبة اقتصاديا المتعلقة بالشيكات من دون رصيد، تسببت وللأسف الشديد في فقدان الشيك لقيمته وهيبته التجارية، التي منحها له نظام الأوراق التجارية السعودية، الذي عرف الشيك على أنه، صك محرر وفق شكل معين حدده النظام، يأمر بموجبه شخص يطلق عليه (الساحب أو المحرر)، شخصا آخر يسمى (المسحوب عليه)، ويكون في العادة مصرفاً، بأن يدفع لدى الاطلاع مبلغاً معيناً من النقود لأمر شخص آخر أو للحامل وهو (المستفيد).
وكما هو واضح من تعريف نظام الأوراق التجارية للشيك، بأنه أداة أو ورقة تجارية تستحق الدفع بمجرد الاطلاع وتقديمها للمصرف المسحوب عليه، بصرف النظر عن التاريخ الذي حرر فيه الشيك، طالما أن مدة الشيك لم تتقادم، وهذه المدة قد حددها نظام الأوراق التجارية السعودية، بستة أشهر بالنسبة للشيكات المسحوبة داخل السعودية، وبثلاثة أشهر بالنسبة للشيكات المسحوبة خارج السعودية، ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال وتحت أية ظروف أن يستخدم الشيك كأداة ائتمان أو تأجيل لقيمة الدفع، وكما هو واقع الحال بالنسبة للكمبيالة، التي تستحق الدفع الوفاء لدى الاطلاع أو بعد انقضاء أجل معين، فهي بالتالي تعتبر أداة وفاء وائتمان في الوقت نفسه، بينما الشيك يعتبر أداة وفاء فقط.
تفاديا لهذا الخلط بين الكمبيالة والشيك، اشترط قانون جنيف الموحد ومعظم التشريعات التي استقت منه، إدارج اسم الورقة التجارية، كمبيالة أو شيك، في متن الصك الذي حررت به، وتفاديا كذلك للخلط الحاصل بين الشيك والكمبيالة، فقد أكد نظام الأوراق التجارية السعوي، على أن الشيك دائماً يكون مستحق الوفاء لدى الاطلاع لأنه أداة وفاء فحسب، ولهذا لا يشترط ذكر تاريخ الاستحقاق فيه، أما بالنسبة للكمبيالة، فقد تستحق الوفاء لدى الاطلاع أو بعد انقضاء أجل معين، كما أن النظام نفسه قد شدد بأنه لا مجال للقبول في الشيك، فهو حين يقدم للمسحوب عليه يكون ذلك بغرض استيفاء قيمته، لأنه يستحق الدفع لدى الاطلاع، بينما يجوز تقديم الكمبيالة إلى المسحوب عليه لقبولها قبل وفائها.
نظام الأوراق التجارية السعودي، إضافة إلى الأجهزة الحكومية المختلفة، كوزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة ومؤسسة النقد العربي السعودي، قد تنبهوا جميعاً لخطورة انتشار ظاهرة الشيكات من دون رصيد في المملكة العربية السعودية، ولاسيما أن تفشيها قد يضعف الثقة بالنظام التجاري ونظام النقد السعوديين، وأصدروا تبعاً لذلك العديد من التشريعات والقوانين التي تجيز في بعض الحالات، فرض غرامات مالية مع التشهير بساحب الشيك، إضافة إلى أنه أحياناً قد تصدر في حقه، قاصداً بذلك الساحب، أحكام أخرى تقضي بالسجن والغرامة والتشهير والسحب معاً، كما قد أجاز نظام الأوراق التجارية السعودي، توقيع الحجز التحفظي على منقولات أي مدين بالورقة التجارية، بموجب المادة 67 بالنسبة للكمبيالة، وبموجب المادتين 89 و117، بالنسبة لسند الأمر والشيك.
برأي أن نظام الأوراق التجارية السعودية، لم يقصر في التشديد على أهمية احترام الوفاء بقيمة الشيك التجاري بمجرد الاطلاع، من خلال سن القوانين الصارمة وإقرار العقوبات الرادعة في حق المخالفين، ولكن وكما يبدو الأمر، بأن الحاجة أصبحت ملحة إلى تفعيل آليات التطبيق لتلك العقوبات في حق المخالفين، دونما أية هوادة أو تهاون أو حتي رحمة، بحيث نكفل بذلك سلامة الاقتصاد الوطني، والنظام النقدي السعودي، وتجنيبهما من أن يكونا عرضة لانتشار ظاهرة الشيكات من دون رصيد.
برأي من بين الحلول العملية، الواجب تطبيقها في حق الذين يكتبون شيكات من دون رصيد، وذلك بهدف القضاء على تلك الظاهرة، تغليظ العقوبة المالية وعقوبة التشهير، في بعض الحالات، بالذات التي يثبت فيها سوء النية، والتعمد من قبل بعض ضعاف النفوس، بتحرير شيكات بهدف التحايل والتلاعب المتعمد بحقوق الآخرين المالية، ولعل من بين الحلول أيضاً، إيجاد شبكة معلومات عن محرري الشيكات من دون رصيد، تساعد الأطراف أصحاب العلاقة على اتخاذ احتياطاتهم اللازمة تجاه الطرف الآخر، بالذات في حالة تعاملهم بالشيكات، واستخدامها كوسيلة لتسوية التعاملات التجارية والمالية.
ومن بين الحلول كذلك، التشديد على شطب السجلات التجارية وإلغاء التراخيص المهنية، لمن تثبت مخالفته لنظام الأوراق التجارية، بما في ذلك إغلاق المحلات التجارية، وكذلك التضييق على المخالفين ومحاصرتهم في حياتهم المعيشية الاعتيادية، من قبل الجهات الحكومية، كوزارة الداخلية وغيرها، بتطبيق العقوبات غير المالية، المتمثلة مثلا في المنع من السفر، وإيقاف الخدمات الأساسية عن منزل ومكتب المخالف، كخدمات المياه والكهرباء والهاتف وخلافه.
ومن بين الحلول أيضاً إعطاء مراكز الشرطة المنتشرة في المملكة العربية السعودية، الصلاحية الكاملة في القبض والمعاقبة الفورية لمن يثبت بأنه قد كتب شيكا من دون رصيد، وذلك بمجرد تقديم المستفيد لورقة اعتراض من البنك المسحوب عليه.
من بين الحلول أيضاً، التشديد على المصارف المحلية، بعدم التعامل مع من يحرر شيكات من دون رصيد، بما في ذلك سحب دفتر الشيكات، والسماح لهم بالوفاء الجزئي لقيمة الشيك، وأيضاً إجراء عمليات المقاصة بين حسابات محرر الشيك المختلفة، التي يحتفظ بها في المصرف المسحوب عليه، إضافة إلى الحسابات التي يحتفظ بها في المصارف المحلية الأخرى، من خلال استخدام ما يعرف بنظام تسوية المدفوعات المالية، الذي يرمز له بنظام (سريع)، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي