جيولوجيون ولكن....
إذا كانت الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب فإن الجيولوجيا هي مهنة المتاعب ذاتها. ويتطلب لمن يرغب في ممارسة تلك المهنة التحلي بمجموعة من الصفات الذهنية والمواصفات البدنية مع تهيئة نفسية خاصة لتقبل الظروف كافة مهما كانت قاسية، فالجيولوجي في وجوده مع الطبيعة وتعامله معها جندي محارب بلا (حرب)، وقائد واع بلا (قيادة)، وطبيب مداو بلا (عيادة)، ومهندس نابه بلا (عمارة)، وسياسي محنك بلا (حزب)، وإداري ملتزم بلا (إدارة)، ورأسمالي كبير بلا (مال).. وأخيراً هو كعالم أكثر البشر إدراكاً لمعرفة ماهية التغيرات التي تحدث في قشرة الأرض وما تحتها، وأولهم إيماناً بقدرة الله في مخلوقاته وآياته.
وفي عالمنا العربي والإسلامي الكثير من النماذج لجيولوجيين كانت لهم إسهامات عديدة وواضحة في مسيرة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل امتدت إلى الجوانب الدينية ويمكن اعتبارهم علامات بارزة في التاريخ العربي المعاصر كرجال دولة وموسوعة علمية شاملة لا يمكن لأي منصف إنكار فضلهم على المجتمع العربي.
وبداية يبرز في المملكة العربية السعودية الدكتور الجيولوجي عبد الله عمر نصيف – أستاذ الصخور النارية ومدير جامعة الملك عبد العزيز الأسبق، الذي كان رئيساً لرابطة العالم الإسلامي لمدة تربو على عقد من الزمان والذي عمل على توحيد الجهود لنصرة الإسلام ورفع رايته وإعطاء صورة مشرفة عن القائمين على دعوته. ومن المملكة أيضاً وهو الدكتور محمد عبده يماني – وزير الإعلام السعودي الأسبق، الأستاذ في الجيولوجيا الاقتصادية الذي تمكن من حل معادلة صعبة من الدرجة الثالثة تجمع بين عناصر الجيولوجيا والاقتصاد والإعلام وهو حالياً بصدد حل معادلة أكثر تعقيداً من الدرجة الرابعة كونه داعية إسلامي كبير يدين له العالمان العربي والغربي بالاحترام.
أما في السودان، فيظهر على الساحة السياسية الوزير السابق الجيولوجي الشريف التهامي – الذي تولى في فترة ما إدارة برنامج محاربة العطش في السودان وهو بحكم نسبة إلى المهدية أحد أقطاب حزب الأمة المؤثرين على السياسة السودانية سابقاً وحالياً.
ومن مصر، الدكتور رشدي سعيد أبو الجيولوجيا ومؤلف كتاب جيولوجيا مصر، ومع ذلك فهو عضو برلماني معروف وصاحب تجربة برلمانية طويلة امتدت لأكثر من أربعة عقود وله آراء سياسية تؤخذ في الحسبان لدى القيادة المصرية منذ عصر الرئيس جمال عبد الناصر وحتى الآن. ولا يمكن أن ننسى الدكتور يوسف شوقي، الجيولوجي (الأوحد) الذي حصل على دكتوراة عن الحفريات العملاقة (الديناصورات وأشباه الديناصورات) ودكتوراة أخرى عن التأليف الموسيقي .. وعمل أستاذاً للجيولوجيا في جامعة القاهرة ثم مديراً لمعهد الموسيقي العربية (الكونسرفتوار) ولحن العديد من الأغاني الوطنية والاجتماعية لكثير من المطربين المشهورين، وكان أيضاً في أواخر أيامه مستشاراً فنياً للإذاعة في عُمان.. ويعرف الجميع الدكتور زغلول النجار – أستاذ الجيولوجيا السابق في جامعات السعودية ومصر وإنجلترا، والداعية الإسلامي الكبير الذي وظف علمه الغزير لإعلاء كلمة الحق وشرح الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في حقول علوم البيئة والحياة المختلفة.
ويظهر على النطاق الدولي الدكتور الجيولوجي فاروق الباز، المصري المولد والأمريكي الجنسية الذي عمل في منظمة ناسا الأمريكية في مجال علوم الفضاء والكون بعيداً عن جيولوجيا الأرض – وكان له دور مميز في توجيه رواد الفضاء الأمريكيين وتحديد خطواتهم الأولى على سطح القمر.
والقائمة مازالت تتضمن شخصيات عديدة وصامتة من الجيولوجيين العظام، فعلى الرغم من تميزهم في مجال تخصصهم الصعب إلا أن لهم أدواراً مهمة ومؤثرة على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عالمنا العربي.
ويبقى دائماً السؤال: هل تلك النماذج من الجيولوجيين هي حالات (خاصة) أفرزتها ظروف (خاصة)، أم أن المستقبل يحمل لنا المزيد من الإنجازات في المجالات تتم على أيدي جيولوجيين عرب كافة يعرفون الكثير عن كنوز ما تحت الأرض ويتجاوبون أيضاً مع الأحداث العربية المتسارعة التي تحدث فوق سطح الأرض!!