الوضع القانوني للغرف التجارية الصناعية

تعتبر الغرف التجارية الصناعية من المنظمات المهنية وقد حددت أحكام الباب الثاني من نظام الغرف التجارية الصناعية اختصاصات هذه الغرف، وباستقراء هذه الأحكام يمكن القول بأن هذه الغرف تتمتع باختصاصات عديدة ذات صبغة مهنية وإدارية واستشارية وتحكيمية. فمن الناحية المهنية فهي تختص بأداء أعمال وخدمات محددة ومنها إعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالتجارة والصناعة وإقامة المعارض والأسواق ومراكز التدريب الفنية وحصر ومناقشة مشكلات التجار والصناعيين بغية عرضها على الجهات الحكومية. ومن الناحية الإدارية فهي تختص بتصديق وإصدار الشهادات والمحررات والمستندات التي يحددها وزير التجارة والصناعة بقرار منه مقابل رسوم يحددها أيضا وزير التجارة والصناعة. ومن الناحية الاستشارية فهي تقدم للجهات الحكومية المختصة مرئياتها ومقترحاتها بشأن حماية التجارة والصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية، وتبصر التجار بفرص الاستثمار الجديدة في المجالات التجارية والصناعية كما ترشد التجار والصناع إلى أهم البلدان والمناطق التي يستوردون منها أو يصدرون إليها بضاعتهم، وكذلك ترشدهم إلى طريق تطوير التجارة والصناعة. وهي من الناحية التحكيمية تختص بالفصل في المنازعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها.
وفي ضوء هذه الاختصاصات المتعددة، يثور التساؤل حول الطبيعة القانونية للغرف التجارية الصناعية. هل هي مؤسسات عامة وبالتالي تدخل المنازعات المتعلقة بقراراتها وتصرفاتها ضمن اختصاصات القضاء الإداري (ديوان المظالم)؟.. أم هي مؤسسات خاصة وبالتالي تدخل تلك المنازعات ضمن اختصاصات القضاء المدني (المحاكم العامة)؟
أخذت قوانين بعض الدول مثل فرنسا بالاتجاه الذي يعترف للغرف التجارية بصفة المؤسسات العامة نظراً لارتباطها ارتباطاً وثيقاً مباشراً بالإدارة الحكومية وخضوعها للرقابة الإدارية، كما أنها تتمتع كمنظمة عامة بالشخصية المعنوية وبعض وسائل القانون العام وقيامها بإدارة مرافق عامة حيث تقوم الغرف التجارية من الناحية الإدارية بإدارة المرافق التي تستهدف الخدمة التجارية ويلزم القانون التجار سواء كانوا أفراداً أو شركات بالاشتراك في هذه الغرف ودفع رسوم العضوية.
وفي المملكة العربية السعودية، لم يحدد نظام الغرف التجارية الصناعية صراحة الطبيعة القانونية لهذه الغرف واكتفى بأن أسبغ عليها الشخصية الاعتبارية وأنها هيئة لا تستهدف الربح. ولقد أتيح للقضاء الإداري السعودي (ديوان المظالم) أن يتصدى لمسألة تحديد الوضع القانوني للغرف التجارية الصناعية في قضية رفعتها إحدى الشركات التجارية ضد إحدى الغرف التجارية الصناعية بسبب خطأ ارتكبته هذه الغرفة ألحق بالشركة المدعية أضراراً مادية ومعنوية. وقد طلبت الشركة المدعية في دعواها إلزام الغرفة المدعى عليها بأن تعوضها عن هذه الأضرار. وقد استندت الشركة المدعية في تسويغ رفع دعواها أمام ديوان المظالم كهيئة قضاء إداري إلى أن نظام الغرف التجارية الصناعية في المملكة قد أقر لهذه الغرف بصفة المرفق العام الإداري ودليل ذلك ما يلي:-
1- إن نظام الغرف التجارية الصناعية صادر بمرسوم ملكي.
2- إن المادة الأولى من نظام الغرف التجارية الصناعية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400 تنص على أن (الغرف التجارية الصناعية هيئة لا تستهدف الربح وتمثل في دائرة اختصاصها المصالح التجارية والصناعية لدى السلطات العامة وتعمل على حمايتها وتطويرها). كما تنص المادة (2) من النظام المذكور على أن (يكون للغرفة التجارية والصناعية الشخصية الاعتبارية) ويتضح من النصوص النظامية سالفة الذكر أن الغرف التجارية هيئات ذات شخصيات اعتبارية لا تستهدف الربح، وهي تشترك في هذه الصفة مع الأجهزة والهيئات العامة الحكومية التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولا تستهدف الربح.
3- طبقاً للمادة (3) من نظام الغرف التجارية الصناعية تنشأ هذه الغرف بقرار إداري يصدره وزير التجارة.
4- إن ميزانية الغرفة وحسابها الختامي يجب اعتمادهما من قبل وزير التجارة استناداً إلى المادة (36) من نظام الغرف التجارية والمادة (75) من اللائحة التنفيذية للنظام المذكور.
5- تتمتع الغرف التجارية بموجب نظامها بسلطة تحصيل الرسوم بوصفها شخصا إداريا عاما حيث يلتزم أعضاء الغرف بدفع اشتراكات إجبارية تحصلها منهم الغرف في مواعيد دورية كما تفرض رسوماً على التصديق على معاملاتهم.
6- إنه طبقاً لأحكام نظام تأمين مشتريات الحكومة ولائحته التنفيذية والتعليمات الصادرة بشأنه يجب أن يقدم كل تاجر فرداً كان أم شركة وثائق محددة مع العرض المقدم منه في المنافسة المعلن عنها من قبل أي جهة إدارية، ومن هذه الوثائق شهادة الاشتراك في الغرفة التجارية.
7- وبناء على ما تقدم تعتبر الغرف التجارية الصناعية من الهيئات ذات الشخصية العامة المستقلة وتبعاً لذلك فإن دعاوى الطعن في قراراتها الإدارية ودعاوى التعويض بسبب أعمالها تدخل ضمن اختصاص ديوان المظالم طبقاً للفقرتين (ب) و (ج) من المادة الثامنة من نظام ديوان المظالم.
لكن الدائرة الإدارية الحادية والعشرين بديوان المظالم والتي نظرت في هذه القضية رفضت الأخذ بوجهة نظر الشركة المدعية وقررت في حكمها رقم 40/د/1/21 لعام 1426 عدم اختصاص ديوان المظالم بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى على أساس أن الغرفة التجارية هيئة خاصة غير ربحية وبالتالي فهي ليست جهات إدارية حكومية ومن ثم فإن ولاية ديوان المظالم بهيئة قضاء إداري تنحسر عن الفصل فيما يقام ضدها من خصومات ودعاوى. وقد أيدت الهيئة التدقيق في ديوان المظالم الحكم المذكور وأصبح بالتالي نهائياً.
وإنني من الرأي القائل بأن الغرف التجارية الصناعية تعتبر من قبيل المؤسسات العامة لأنها تمتلك معظم عناصر وسمات هذه المؤسسات، فهي تباشر نشاطاً مرفقياً يتعلق بالاقتصاد الوطني، وتتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع لنوع من أنواع الرقابة الحكومية (رقابة وزارة التجارة والصناعة). كما أن العلاقة بين هذه الغرف والأعضاء المشتركين فيها هي علاقة قانونية إجبارية بحكم القانون وليست علاقة تعاقدية اختيارية، فضلاً عن أن هذه الغرف تتمتع ببعض سلطات القانون العام حتى تتمكن من تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها، وهذه السلطات هي سلطة إلزام الأعضاء بدفع رسوم مالية محددة واشتراكات إجبارية تحصل في مواعيد دورية منتظمة.
ولذلك فإنني أدعو وزارة التجارة والصناعة إلى أن تسعى إلى تعديل النظام الحالي للغرف التجارية الصناعية على نحو يحدد بشكل قاطع طبيعتها القانونية، وأتمنى أن يؤخذ بالاتجاه الذي يعتبر هذه الغرف من قبيل المؤسسات العامة وبالتالي إدخال المنازعات المتعلقة بأعمالها وقراراتها ضمن اختصاص ديوان المظالم كهيئة قضاء إداري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي