الأوزون: الشبح الصديق
احتفل العالم في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الحالي وللسنة الثانية عشرة على التوالي بإعـلان الأمم المتحدة عن "اليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون". ويأتي ذلك تأكيداً لمـا ورد في بنـود اتفاقية فيينا لحفظ طبقة الأوزون Vienna Convention for Protection of Ozone Layer والموقعة من قبل 28 دولة عام 1985م وبروتوكول مونتريال Montreal Protocol الذي تم فيه تحديد المواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون والموقع عام 1988م من قبل 46 دولة، والتعديلات اللاحقة التي أدخلت على الاتفاقية في مؤتمرات لندن 1992م وكوبنهاجن 1994م ومونتريال 1999م وبكين 2002م وحضرها العديد من رؤساء الدول والحكومات والتي صدقت عليها غالبية دول المجموعات الدولية.
وطبقاً لتقرير سكرتارية الأوزون التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الأخير، فإن عدد الدول التي أقرت بالموافقة على الاتفاقية والبروتوكول والتعديلات اللاحقة بلغ 189 دولة، وفي طليعتها مجموعة الدول العربية، حيث كانت مصر والمغرب من أول الدول الموقعة على الاتفاقية والتصديق عليها عام 1988م، وكانت الصومال هي آخر دولة عربية موقعة عام 2001م. وتلتزم الدول الموقعة بإجراء الأبحاث العلمية عن الغلاف الجوي، والتعاون فيما بينها على حفظ طبقة الأوزون وتسجيل الملاحظات بصورة نظامية وتبادل المعلومات وإصدار التشريعات المناسبة مع المشاركة في الاجتماعات الدورية.
لقد شغلت (مشكلة) الأوزون المجتمع الدولي خلال العقدين الماضيين بدرجة كبيرة، خاصة بعد اكتشاف تآكل طبقة الأوزون في منطقة الغلاف الجوي فوق قارة أنتاركتكا Antractica القارة المتجمدة الجنوبية. وقدرت مساحة التآكل حينذاك بنحو 24 مليون كيلومتر مربع، وأحدث ذلك جدلاً مازال له صدى مسموع بين الدول الصناعية الغنية المستخدمة للتقنيات الحديثة ودول العالم الثالث الفقيرة، وكانت تلك المشكلة محل اهتمام واسع ليس على المستوى الحكومي والمختصين بشؤون البيئة فحسب، بل أيضاً من العامة على المستوى الشعبي. وبرزت على الساحة مجموعة من علامات الاستفهام التي تتطلب توضيح ماهية طبيعة هذا (المجهول) المسمى الأوزون، والآثار الناتجة من جراء (تآكل) طبقة الأوزون على الحياة على سطح الكرة الأرضية؟!
يعلم الجميع أن الكرة الأرضية التي نعيش على سطحها محاطة بغلاف جوي من عدة طبقات وأن لكل طبقة جوية مهامها الخاصة وطبيعتها المحددة لاستمرار الحياة على هذا الكوكب. ولقد ازدادت حصيلة معرفتنا عن تلك الطبقات بدرجة ملحوظة بعد التقدم المتسارع في علوم الفضاء منذ الستينيات من القرن الماضي، وإطلاق الأقمار الصناعية إلى الأجواء العليا خاصة تلك المختصة بالأرصاد الجوية والمزودة بأجهزة علمية متقدمة، مثل القمر الأمريكي لاندسات Landsat والقمر الأوروبي ميتيوسات Meteosat . ولكن ما يعنينا في هذا المقام طبقة الاستراتوسفير Stratosphere والتي أطلق عليها العلماء العرب القدماء طبقة الزمهرير للتمييز بينها وبين طبقة الأثير العليا وطبقة النسيم المعتدلة القريبة من سطح الأرض.
وتمتد طبقة الاستراتوسفير من ارتفاع نحو 12 كيلومتراً إلى 50 كيلومتراً فوق سطح الأرض. ويتركز في هذا الغلاف الجوي بصورة خاصة الأوزون وهو أحد صور غاز الأوكسجين مع اختلاف أن جزيء الأوزون يتكون من ثلاث ذرات من الأكسجين (O3) في مقابل جزيئين للأوكسجين العادي (O2) والذي نستنشقه. ومن المثير للدهشة، أن صورة الأوزون على طول طبقة الاستراتوسفير غير متناسبة ومتباينة وتبدو (كشبح) غير واضح المعالم فتركيز الأوزون – أي نسبة خلطه مع الهواء الجوي – تبلغ أقصاها على ارتفاع ما بين 20 و30 كيلومتراً وتصل إلى نحو 90 في المائة – وهي ما يشار إليها مجازاً بطبقة الأوزون
Ozone Layer. ويقل التركيز تدريجياً بعيداً عن هذا المدى حتى ينعدم تماماً أسفلها وفي أعلى طبقة الاستراتوسفير. وتظهر أهمية الأوزون كشبح صديق Friendly Ghost للبيئة وعاملاً رئيساً للحفاظ على الحياة على سطح الأرض، حيث يمتص أشعة الشمس فوق البنفسجية ويمنع الجزء الأعظم منها من الوصول إلى سطح الأرض. وبالقطع تعتمد فاعلية هذا الامتصاص ومقدار حجمه على الكمية الكلية لغاز الأوزون وتوزيعه الرأسي في الغلاف الجوي والتوازن الطبيعي لعمليتي البناء والهدم للغاز.
ولا يُعرف حتى الآن أي تأثير للأنشطة الإنسانية على معدل التفاعلات التي تشملها عملية البناء – وهي تفاعلات ضوئية/ كيمائية تتطلب الأوكسجين العادي في وجود أشعة الشمس – ولكن من الواضح أن هناك تأثير لانبعاثات بعض المركبات الغازية على عملية الهدم وتكون ما يسمى ثقب الأوزون Ozone Hole. ومن أهم تلك الغازات المنبعثة غازات الكلوروفلوروكربونات Chloroflorocarbons وهي مجموعة من الغازات الصناعية الأصل تستخدم في العديد من الصناعات كالأيروسولز المستخدم في عبوات البخاخات المعطرة ومستحضرات التجميل، وصناعات التبريد ومكيفات الهواء والمذيبات الصناعية وعمليات التنظيف على الناشف والإسفنج الصناعي وغيرها. يؤدي تكثيف تلك الصناعات إلى إطلاق جزء من غازات الكلوروفلوروكربونات إلى الغلاف الجوي ومن ثم تعمل على تآكل طبقة الأوزون وبالتالي زيادة نفاذ الأشعة فوق البنفسجية. ولقد أوضحت الدراسات أن نقص تركيز عمود الأوزون الكلي بمقدار 1 في المائة فقط تنتج عنه زيادة في الأشعة فوق البنفسجية بمعدل 2 في المائة ويؤدي ذلك إلى تدمير الحامض النووي للخلايا الحية DNA والتعرض لأمراض سرطان الجلد، ونقص المناعة وله تأثير في العيون. وكذلك يؤدي إلى نقص إنتاجية المحاصيل الزراعية وقدرتها على مقاومة الأمراض ناهيك عن تأثير ذلك في الثروة الحيوانية والسمكية. إضافة إلى تأثير هذا الغاز وبعض الانبعاثات الكربونية الأخرى –كونها غازات دفيئة – في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي الختام، نشير إلى أن التقارير الحديثة الصادرة من وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عام 2005م، قد أظهرت أن ثقب الأوزون قد توقف عن الاتساع خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة للجهود الدولية التي بذلت لخفض استعمالات غازات مركبات الكربون واستبدالها بغازات بديلة من مركبات الهيدروجين. وأن المدة اللازمة لتعافي طبقة الأوزون الحامية للغلاف الجوي والتحام الثقب قد انخفضت إلى نصف قرن قادم، وعلى الرغم من ذلك التفاؤل الحذر، فإن الأمر يتطلب بذل المزيد من الجهد من الدول الغنية والفقيرة كافة أيضاً للالتزام بما جاء في نصوص اتفاقية فيينا وملحقاتها، وإيجاد طروحات تقنية وبيئية بديلة تتحمل الدول الصناعية تكلفتها المالية والاقتصادية حتى يعود الأوزون كما كان – دائماً – الشبح الصديق.
خبير في برنامج الأمم المتحدة للمعونة الفنية (سابقاً)