(كثرة الْزنْ أمـرْ من الْسحر)
<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
أهم التعليقات التي وصلتني والاقتراحات التي اطلعت عليها تعقيباً على بحث (يا سبحان الله) ليوم السبت 9/9/2006، ركزت على موضوعين اجتماعيين مهمين من منظور مقومات البنية الاجتماعية للوطن وانتقدت إغفال اهتمامات معالجة مجريات أحوال سوق الأسهم، ولفتت الانتباه لأهمية متابعة أحوال المرأة السعودية، وحصر الاهتمامات على الذكور وتهميش حقوق المرأة الشرعية. أوضحها فكراً وأبلغها سرداً رسالة من سيدة تنادي (طول عمرك يا استاذ وهيب تطالب بمراجعة القوانين الاقتصادية، والعمل بجد وفتح فرص العمل للشباب في الوقت الذي تتجاهل المرأة في مقالاتك، وعدم الإشارة إليها. ياستاذ وهيب إذا الله أنعم عليك بالمقدرة في الكتابة والعمل التجاري، ترى المرأة أمك وزوجتك، وأختك وابنتك، ولنا في أستاذتنا الفنانة صفية بنت بن زقر خير شاهد على تفوق السعوديات منذ قديم الزمن، وغيرها الكثير. أتمنى أن تلقى المرأة حيزا في دائرة اهتماماتك الصحافية).
المتهم برئ حتى تثبت إدانته ويصدر في حقه الحكم الذي يتماشى مع طبيعة الجُرم. رسالة القارئة تتهم كتاباتي بتجاهل المرأة، وتترفـَّع عن إصدار حكم في حقي وتتلطف وتعطيني فرصة حسن سير وسلوك، وتمنيات أن تلقى المرأة حيزاً من اهتماماتي. كثرة أبحاث السنوات العشر الماضية لم تتعرَّض مباشرة وتفصيلاً للأحوال الاجتماعية والاقتصادية للذكور والإناث، واستعرضت تفاعل المنجزات مع التوقعات من منظور تصورات التنمية الاقتصادية الاجتماعية، لواقع التطبيقات وظاهر التخطيطات ومقارنات لنصف قرن مضى لأحوالنا البشرية والإنسانية والشباب.. إلخ، وجميعها وصفات بمفردات اللغة لتضم الذكور والإناث وتجمعهم تحت مظلة لغة واحدة: فكراً وهدفاً. واضح أن هنالك إغفالا في الإيضاح أنَّ استعمالات بعض الكلمات المذكـَّرة معتمدةٌ بالتساوي لا فرق بين الذكر والأنثى في استعمالاتها للجنسين دون سبب للانزعاج، ولا اعتبار أنَّ البحث يتجاهل المرأة. عدم قبول ذلك يتعارض مع مجريات اللغة العربية، وفقاً لمفهومي، في استخدام العبارات والكلمات التي تشير للإنسان لتغطي مفردات الكلمة الواحدة للذكر والأنثى.
التنمية الاقتصادية الاجتماعية تعتبر نتائجها مبتورة وفوائدها ناقصة، ومكاسبها معطوبة بقدر اختلال التعاون والاتزان المجتمعي بين الذكر والأنثى ضمن أعمارهم المتفاوتة وعلاقتهم العائلية والقربى وتداول المسؤوليات والدخول في الأعمال وتقاسم الأرزاق وتساوي تقدير الثواب والعقاب ضمن مفهوم التفاوت المجتمعي للذكور والإناث الذي يعطي الأول أمانة العدل في تعامله مع الطرف الثاني، الذي مفروض عليه أن يتحمل مسؤوليات أعمال منزلية وأسرية إضافة إلى أعمال ومسؤوليات مجتمعية يشارك الطرف الأول في نتائجها الإيجابية (ويملص) من سلبياتها، وليس لها من منظور الرجل الزوج السعودي علاقة بتقدير حقوقها المادية من مكاسب سوق العمل ولا تحفظ لها ضمانات اجتماعية مستقبلية مقابل التفاوت في الماديات لصالح الأول على حساب الثاني. العصر الذي تحياه الأسرة الحديثة والالتزامات المالية المتجدِّدة المترتبة على المرأة الزوجة في حالات الاختلاف والخـُلف تتطلب إصدار قوانين حكومية نافذة تنظـِّم (المستجدات) بين الزوجين، خاصة في حالة الطلاق، وتوافر عدالة أسرية في الأحوال الحياتية المتغيرة من الزواج والخـُلف والممات وضمان حقوق المطلقات وصيانة أحوال الأبناء والبنات، بما يتماشى مع شرع الله تطبيقاً وعملاً، ولا يقف عند حدود الأمور المادية المشروعة، بقدر مالا يتعارض مع الشرع، وحقوق الإنسان والاتفاقات الدولية والانفتاح العالمي الذي دخلت فيه المرأة بالطول والعرض وفقا للزمان والمكان.
السيف أصدق أنباء من الكتب، وواقع معاناة المرأة المتزوجة والمطلقة والعانس.. إلخ، حديث مُفجع في المجتمعات المحلية لدرجة يعجز القلم عن مجاراتها، أو سرد مسلسلاتها. واقع الحياة يوفر شواهد على تكاثر مصاعب الأحوال المعيشية والمجتمعية للمرأة المطلقة والزوجة المعذَّبة خلال الربع قرن الماضي، تجعلها ترى نفسها مغلوبة على أمرها لندرة مواردها المالية، وصعوبة العمل ومحدودية التحرك ونقص الدخول مقارنة بالالتزامات، وحتمية ارتباطها بمحرم، يولـِّد المواجع أكثر من (زلوجة) الأمور. العادات والتقاليد في غياب النظم والقوانين لا توفر حماية (المطلقة) ولا سترها، ولا تحمي الأبناء والبنات من أمراض العصر. التنمية الاقتصادية الاجتماعية منظومتها (هشة) كلما اقتصر اهتمام برامجها بالتشيد، والإنفاق والربح والخسارة .. إلخ، دون ربطها بالأهداف الإنسانية المنظورة والسلبيات المتوقعة في الحياة الاجتماعية التي تدور حول ركيزة الأسرة: تجذبها وتحدد المكاسب والخسائر المصيرية وفقاً لعدالة العلاقات العائلية للذكور والإناث، وللعادات والتقاليد وضمن أنانية الإنسان، و(تفصيل) تفسيرات تبادل المصالح وفقاً للأعراف السائدة التي يتفاوت فيها بـ (القبول) تنازل الرجل للحريات والماديات والمسؤوليات والواجبات ليتقاسمها مع المرأة. التحكيم والحكم في الخلف بينهما يتولاه الرجل بإنسانية نادرة أو جفاء ظالم.
مقارنة الأحوال الاجتماعية والعلاقات الأسرية وحماية الرجل لحقوق المرأة قبل نصف قرن استنادا على متوفرات (التسمَّع)، كانت أفضل كثيرا مما هي عليه في وقتنا الحاضر. ثقافة المرأة تحسنت، وطلباتها زادت وتطلعاتها تنوَّعت وانطلاقتها قويت، ونظرة الرجل إلى المرأة في مختلف أطوارها الحياتية تتلوَّن وتتفاوت وفقاً لراحته ومصلحته ومادياته وقيمه التي من منظوره المتسلـِّط يقيس بها الأمور ويصدر الأحكام. كثرة من الأسر السعودية الحديثة ترى أنها متضررة من تهاون تنفيذ الأحكام الشرعية حفاظا لحقوق المرأة، وأنها تعيش فراغا اجتماعيا كبيرا لتباعد المفاهيم والقيم بين أفراد العائلة، وعاملا كبيرا في أسباب تولد وانتشار أمراض المجتمع الحديثة من أمراض نفسية إلى مخدرات وطلاق .. إلخ. مخرجات التنمية الاقتصادية الاجتماعية لنصف قرن نهضت بالاقتصاد الوطني السعودي اقتصادياً وتجارياً وزراعياً.. إلخ كثيراً، وخلـَّفت وراءها سلبيات اجتماعية وأخلاقية وخلقية كبيرة، يدير الرجل السعودي ظهره لها، وتشكو المرأة في داخل حلقاتها مرارة التباين الأسري وتباعد الزوجين عن بعضهما البعض، وخاصة في الفكر والنقاش والعيش والقرار لكل من الجنسين. ترك الأمور على علاَّتها قنبلة اجتماعية موقوتة، وفك فتيلتها لإضعاف فتك انفجارها يتطلب توفير توازنات القانون لتمكين المرأة من التأثير على مقدراتها مساواةً للرجل بما لا يتعارض مع الشريعة والعقيدة والعادات المقننة.
تمكين المرأة السيطرة على مربط (الفرسة) في غياب القانون من سابع المستحيلات في مجتمع (الغاب) الأسري، نظراً لرفض الرجل قبول (لحلحتها)، بدلاً من تعطيل قيامها، وتقاعس رافض بمجهودات المرأة. الواقع الأسري في المجتمع السعودي نادراً ما يترك للمرأة مجالاً للمشاركة في الحل والربط، وتبقى المرأة مع الخـُلف المستقبلي في نظر الرجل مصدر لإزعاج الرجل ومحدودة المنفعة مجتمعياً. التمسك بالعادات والتقاليد والأخلاق في العلاقات الأسرية مطلب سامي وهدف نبيل. غير أنَّ الاختلافات التي ظهرت خلال نصف القرن المنصرم، غيَّرت من عدالة المعاملات الأسرية، ومفاهيم الحياة. مواجهتها بمستويات متفاوتة بين الجنسين في فراغ غير مسؤول لتصحيح مجريات الحياة، وضعف حاكم لتفهم المشاكل الجديدة ويترتب عليه سلبيات ضارة وتداعياتها المستقبلية سيئة وإضرار بجيل المستقبل والتنمية.
الدولة ليست غافلة عن هذه الأمور، وأهمها قرار مجلس الوزراء رقم 63 بتاريخ 11/3/1424هـ ويوصي (بإنشاء لجنة عليا دائمة ومتخصصة في شؤون المرأة، وحث مجلس الخدمة المدنية للنظر في خيارات التوظيف بالنصاب الجزائي للمرأة، ودراسة شَغل المرأة الوظائف والإدارات التي تقوم على خدمتها، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لإحداث زيادة في فرص التوظيف النسائي فيما يتناسب مع المرأة)، وقرار مجلس الوزراء رقم 120 الصادر بتاريخ 12/4/1425هـ، والذي (يلزم جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمرأة إنشاء وحدات نسائية، وتخصيص أراض ومناطق داخل المدن لعمل المرأة، وإلزام مجلس الغرف التجارية والصناعية بالتنسيق مع منشآت القطاع الأهلي وإيجاد أنشطة عمل المرأة). إضافة إلى قرارات ملزمة لصندوق تنمية الموارد البشرية ووزارة العمل والخدمة المدنية والشؤون الاجتماعية لعمل المرأة وإشراكها في خطة التنمية.. إلخ.
زيادة سرد واستعراض الكم للقرارات لا ينفع ولا يفيد، لأنَّ (ماكو) تنفيذ من السلطة التنفيذية لقرارات السلطة التشريعية (لكل ما جاء بعاليه). الكتان سيبقى كما كان حتى تشارك المرأة بنفسها ونفيسها ضمن الشريعة والعادات والتقاليد في انفاذ توجه الدولة مساندة للجهات التنفيذية المثقلة بمسؤوليات كبيرة متعددة، قد يرى القائمون عليها أفضليتها على أمور مصيرية لمعيشة المرأة وحياة الأسرة ومستقبل الأجيال القادمة. الإضافة المسؤولة الواعية لمعرفة ما يترتب على الزواج وتوفير احتياجاته مصاحباً للدخول فيه، ربما تساعد على زيادة الاهتمام ببحث الجوانب الأسرية من مرحلة البلوغ إلى الزواج لتقليل الطلاق وتجنب أمراض العصر الذي السكوت عليها ليس العلاج الأمثل لها. معرفيات مسؤوليات الزوجية والواجبات الأسرية تدرس في بعض الدول الغربية للمراحل التعليمية التي تسبق مستويات التعليم العالي.
الدكتورة نادية باعشن وضعت دراسة جيدة عنوانها (المساهمة الاقتصادية للمرأة)، توضـِّح التباين بين توجهات الدولة لدعم مسيرة المرأة والخطوات التنفيذية لتحقيق تشيدها، وتبيِّن ضعف الالتزام لتمكين المرأة مسؤولية وظيفية قيادية متعلقة بأمورها، ولا السماح باستخدام عبارة (تمكين المرأة) في محاضر رسمية، على الرغم من توافر توافق بين المسؤولين وسيدات الأعمال على أمور كثيرة تتعلق بالتراخيص والتدريب وبرامج الأسرة وفتح المجالات لعمل المرأة وتوظيف النساء في القطاعات الأهلية والخاصة.
الدولة تتابع توفير المجالات والطرق والأساليب لعمل المرأة بموجب قرارات واضحة وصريحة. المرأة تعاني اجتماعيا من غبن متزامن مع الزواج، دون أن يكون لها توجه في إيضاح أحوالها وشرح مطالبها وتقديم البرامج المقترحة لصالحها. القيود لا يمكن أن تكون السبب والمبرر لتقاعسها توضيح مقدرتها ولوم الرجل لعدم الدفاع عنها وهي تفترض أنه يتحاشى تمكينها السيطرة على مقدراتها والمطالبة بحقوق تتماشى مع العصر الذي تعيشه ولا يتعارض مع الشرع والحق. القدرات العلمية والثقافية وحكم القانون والنظام، توفر البصيرة في التعاون بين بعضهم لدراسة الأحوال المنطقية المادية والمعيشية بما لا يتعارض مع الشرع ويعطي الأرضية التي تمكن المرأة أن تكون الوتد الساند للأسرة والعنصر الفاعل للمجتمع.
المرأة السعودية تشعر في أغلب الأحوال والكثرة منهن، يشعرن أنَّ حقوقهن مهضومة، ومصالحهن مضروبة. وهن في حاجة إلى تنظيمات قانونية إسلامية تمكنهن من العمل والمعيشة الأسرية التي تضمن الاستقرار وراحة البال. إغفال شكواهن لا تلغي مطالبهن، والمواجهة المشتركة تحسِّن كثيراً من الأحوال المجتمعية للبلاد، وتقفل فجوة تباين الأفكار والمصالح والمسؤوليات انطلاقا لمواجهة المشاكل الاجتماعية السالبة والمادية القاتلة. والله أعلم.