الاقتحام والتخويف (14)

اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية
<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>

بنهاية التسعينيات كان المحافظون الجدد في أمريكا قد تحولوا مع التفاعلات السياسية وسير الأحداث إلى الصهيونية المسيحية الجارفة التي تصارح غيرها العداء دون مواربة, خاصة العالمين العربي والإسلامي، وترسم منهجية الاقتحام والحصول على أكبر مكاسب إقليمية واقتصادية وسياسية وسيادية ممكنة، تؤهل إسرائيل للتربع على عرش المنطقة مع إخماد القوى التقليدية مثل تركيا, إيران, مصر, السعودية, وسورية إلى الأبد.
رأى هؤلاء المحافظون الجدد أن سياسة الاحتواء المزدوج غير كافية وأن تغيير النظام في العراق أصبح أمرا حتميا . وأدخل هؤلاء المحافظون الجدد الذين أصبحوا جبهة صلدة من اليهود الأمريكيين والإسرائيليين والمسيحيين المتهودين. أدخلوا في روع الإدارة الأمريكية أن قلب نظام صدام حسين وتحويل العراق إلى ديمقراطية (وهو المخطط الجاري تنفيذه الآن مع تعثر واضح) فإن الولايات المتحدة سوف تضغط على زناد التغيير لتسري روح "الديمقراطية " في الشرق الأوسط ولتحدث عملية بعيدة الأثر في تغيير المفاهيم وتحويل الواقع إلى "جنة إسرائيلية أمريكية". هذا النهج التفكيري كان واضحا تماما في الدراسة التي كتبها المحافظون الجدد وقدموها لبنيامين نتينياهو تحت عنوان "التغيير النظيف".
وفي عام 2002 عندما أصبح موضوع غزو العراق قضية مفروغا منها في انتظار الظروف والتوقيت والاعتبارات الفنية لتدخل حيز التنفيذ، أصبحت فكرة التغيير الإقليمي قضية رئيسية في دوائر المحافظين الجدد.
ويصف تشارلز كروثامر هذا المشروع الكبير بأنه وليد عبقرية اليهودي الصهيوني الإسرائيلي ناتان شارانسكي، وهو السياسي الإسرائيلي الذي انبهر الرئيس الأمريكي بوش بكتاباته. ولكن شارنسكي لم يكن صوتا منفردا في إسرائيل أو عبقرية منعزلة. ففي الحقيقة كان الساسة الإسرائيليون على امتداد الساحة واختلاف التوجهات والطيف يعتقدون ويروجون للاعتقاد بأن إسقاط صدام سيغير الشرق الأوسط بأكمله لصالح إسرائيل. وكتب ألوف بن في "هاآرتس" في 17 شباط (فبراير) 2003 "إن كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والمقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون مثل مستشار الأمن القومي أفرايم هاليفي كانوا يرسمون صورة وردية جميلة لما ستكون عليه الأحوال بعد الحرب وهم يتوقعون حدوث تأثير الدومينو (أي أن سقوط صدام سيؤدي إلى سقوط أعداء إسرائيل واحدا بعد الآخر، ومع اختفاء هؤلاء الزعماء سيختفي الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل).
وباختصار فإن زعماء إسرائيل والمحافظين الجدد وإدارة بوش المخترقة تماما بهم ومنهم، يرون أن الحرب ضد العراق هي نقطة البداية في إطار حملة طموحة لإعادة صياغة الشرق الأوسط ومع ظهور أول ومضة لنجاحهم ضد العراق تحولوا بأبصارهم فورا إلى خصوم إسرائيل الآخرين. لقد ظهر كل شيء الآن واتضح أن المواجهة إسرائيلية – عربية إسلامية، ولا ناقة ولا جمل لأمريكا في هذه الحرب إلا بقدر ما يبديه اليهود والإسرائيليون للساسة الأمريكيين الذين يعانون من عجز في الرؤية والبصيرة بعد ما سلموا القيادة لليهود والمحافظين الجدد الذين تحركهم إسرائيل وجماعات ضغطها بالريموت كونترول. وسنتناول بالتحليل والرأي والنقد في مقال قادم ما كتب حول حدود الدم لتوضيح مدى صدق أو كذب هذه المقولة.
أما الآن فنعود إلى مخططات الاقتحام والتخويف التي بدأت بحرب لبنان الخائبة على صعيد التطبيق العملي. أما ما يثير الحزن على ما آلت إليه دولة عظمي كأمريكا ، فهي أنها تلعب بأصابع عملائها الإسرائيليين, فبعد سقوط بغداد تحت جحافل قوات أمريكية وحشود من دول أخرى نقل شارون منطقة الضغط إلى سورية ففي 16 نيسان (أبريل) 2003 وبعد يومين من استسلام بغداد رسميا (المقاومة لم تتوقف حتى الآن) انطلق شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز إلى وسائل الإعلام يتحدثون فيها عن أهمية توجيه الولايات المتحدة ضغوطها إلى سورية وقال موفاز لـ "معاريف" "لدينا قائمة طويلة من الطلبات التي نريد من سورية تنفيذها ولن يتم ذلك إلا بواسطة الأمريكيين" وقال مستشار الأمن القومي هاليفي "حان الوقت لكي تظهر الولايات المتحدة العنف لسورية" وقالت "الواشنطن بوست" إن إسرائيل بدأت تؤجج الحملة الأمريكية ضد سورية من خلال تغذية أجهزة المخابرات الأمريكية بمعلومات مضللة حول تصرفات الرئيس السوري بشار الأسد.
وكالعادة انطلق أعضاء اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يتحدثون عن أهمية إحداث تغيير النظام في سورية, وقال ريتشارد بيرل بوقاحة يحسد عليها علينا أن نقول كلمتين لكل النظم الحاكمة في المنطقة" أنت التالي" yot are next وأصدر الوينيب winep وهو رأس حربة اللوبي الصهيوني في أمريكا بيانا قالت فيه "إن أي نظام يمضي على نهج صدام سينتهي مثله تماما" وقال يوسي كلاين هاليفي "ستتحول تروس الضغط على سورية" وكتب صهيوني آخر هو زيف تشافتس مقالا لصحيفة "نيويورك ديلي نيوز" إن سورية صديقة الإرهاب بحاجة إلى التغيير" وحتى لا يزايد عليه أحد لورنس كابلان في صحيفة "نيوريبابلك" إن الرئيس السوري بشار الأسد يمثل تهديدا خطيرا لأمريكا".
وفي الكونجرس عاد إليوت إنجيل عضو مجلس النواب لعرض قانون محاسبة سورية، وهو قانون يهدد بفرض العقوبات على سورية إذا لم تنسحب من لبنان وتسلم أسلحة الدمار الشامل لديها وتتوقف عن دعم الإرهاب والشروع فورا مع لبنان لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل. وصدر هذا التشريع برعاية "الآيباك, وتمت صياغته على يد مجموعة فريدة من أقرب أصدقاء إسرائيل وتم إقرارها بأغلبية 398 مقابل أربعة في مجلس النواب وبأغلبية 89 مقابل أربعة في الشيوخ ووقع عليها بوش لتصبح قانونا في الثاني عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2003.
وهذا النجاح الساحق للمحافظين الجدد لم يوقفه إلا اعتراض وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية التي لم تر حكمة في شن حرب على سورية في إطار ظروف المنطقة, حتى أن بوش قال إنه سينفذ قانون محاسبة سورية بحذر والسبب في ذلك يرجع إلى التعاون الوثيق الذي حدث بين واشنطن ودمشق حول القاعدة بل إن سورية أبلغت واشنطن عن احتمال وقوع هجوم إرهابي في الخليج. وقدمت سورية معلومات مهمة حول محمد الزمار الذي قيل إنه لعب دورا كبيرا في تجنيد بعض المشتركين في هجمات أيلول (سبتمبر) 2001. وثمة نقطة أخرى وهي أن سورية كانت على علاقة طيبة بواشنطن قبل حرب العراق. بل إنها وافقت على قرار الأمم المتحدة رقم 1441 ولا تمثل أي تهديد لواشنطن بأي حال والاعتداء على سورية سيظهر الولايات المتحدة في صورة الفتوة الذي لا يشبع من استعراض عضلاته وضرب الدول العربية واحدة بعد الأخرى.
كما أن وضع سورية على قائمة المرشحين للضرب والحرب سيعطي حافزا قويا لدمشق لإحداث المتاعب في العراق.
ولكن الكونجرس الخانع أبدا للضغط اليهودي والإسرائيلي لم يتوقف عن إصراره بالتضييق على سورية، لأن هذا الضغط لا يتوقف لأن سورية في حسابات إسرائيل تعتبر حجر عثرة ضد أفكارها الإقليمية.
وللإنصاف فإنه من دون اللوبي الإسرائيلي ما كان قانون مثل محاسبة سورية ليصدر مطلقا ولأصبحت سورية حليفا أمريكيا مثاليا.
وعلى المنوال نفسه بدأ الإسرائيليون يثيرون حملات التحريض والتأليب ضد إيران, وقال بنيامين بن اليعارز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إن العراق مشكلة ولكن إيران أخطر".
ومن هنا جاءت الضجة الكبرى ضد برنامج إيران النووي، ومن سخرية القدر أن مؤججي الحملة ضد إيران يمتلكون السلاح النووي ولا يهمهم المنطق العام الذي يقول ما دام لا بد من وجود منطقة نظيفة من الأسلحة لماذا لا يبدأ بمن بدأ بإحضار القمامة؟ والولايات المتحدة تعيش في عالم تمتلك فيه دول مثل روسيا, الصين, كوريا الشمالية, باكستان, والهند أسلحة نووية, فلماذا تصبح إيران مشكلة؟ إنها مشكلة فقط لإسرائيل صاحبة حلم الهيمنة.
وهي تحلم بأن تمارس الولايات المتحدة سياسة الحروب الاحترازية أو الوقائية لتبقي وحيدة في المنطقة بقوة متكاملة أمام دول مهزومة أو خائفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي