قرارات تمكين المرأة .. هل هي من باب التسكين أم التفعيل؟

<a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a>

قرار وزارة العمل تأجيل تأنيث محلات الملابس النسائية، يثير العديد من التساؤلات ويطرح العديد من علامات الاستفهام، بالذات فيما يتعلق بجدية الحكومة السعودية في توسيع مشاركة عمل المرأة السعودية في الاقتصاد، والتعامل مع عمل المرأة من منطلق الشراكة الاستراتيجية بين الرجل والمرأة في التنمية الاقتصادية والحضارية التي تعيشها البلاد.
إن تأجيل تفعيل تطبيق الفقرة الثامنة من القرار 120، التي حددت قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، يعد تأجيلا وحرمانا وضياع فرصة العمل على عدد كبير جدا من السعوديات، اللاتي يرغبن ويقصدن العمل في مجالات عمل شريفة يكتسبن من ورائه الرزق ولقمة العيش الكريم، ولا سيما حين النظر إلى الدواعي والأسباب، التي تضطر المرأة السعودية في بلادنا في الوقت الحاضر للبحث عن عمل، المتمثلة في ضمان توفير مصدر دخل مادي إضافي أو أحيانا وحيد للإنفاق على الأسرة أو على من تعولهم المرأة بمفردها.
ذلك التأجيل في رأيي قد يشكك في قدرة وزارة العمل وقدرة الجهات الحكومية الأخرى على تنفيذ بقية فقرت القرار بالكامل، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تخصيص أراض أو مناطق داخل حدود المدن، وتهيئتها لإقامة مشروعات صناعية تعمل فيها النساء، كما أن تخوفي وما قد أخشاه فعلياً، أن قرار التأجيل قد يشكل سابقة أو ظاهرةIt will set a precedent، أمام تطبيق قرارات حكومية مماثلة خاصة بتوسيع مشاركة المرأة السعودية في الاقتصاد وتوسيع فرص عملها في السوق، كمضمون القرار الوزاري رقم 187مثلاً، الذي حدد الضوابط الخاصة بشأن تشغيل النساء في أقسام وفروع المنشآت الخاصة وتطبيق ضوابط تشغيلهن بأجر لدى الغير، ولا سيما أن تطبيق التنفيذ لتلك الفقرة، قد صمم بالشكل الذي يتناسب تماما مع ثقافة المجتمع السعودي ومع معتقداته وتقاليده وعاداته، ولعل الأهم من هذا وذاك، أن التصميم جاء ليراعي ويتوافق تماما من وجهة نظري مع الضوابط والثوابت الشرعية، حيث حدد واشترط التطبيق، بتهيئة أماكن ومحلات بيع المستلزمات النسائية، بحجبها عما حولها بشكل يمنع رؤية من بداخلها من العاملات والمتسوقات أو اختلاطهن بالرجال، بل شدد القرار وأكد ضرورة أن يكون لتلك المحلات والأقسام أبواب خاصة يتم التحكم فيها من الداخل، الأمر الذي لا يختلف كثيرا عما هو مطبق ومعمول به حالياً في العديد من المشاغل النسائية وما شابهها التي تعمل في بلادنا.
في رأيي أن التسرع في تأجيل تنفيذ جزئية من القرار 120، قضي على فرصة التقييم للانحرافات أو السلبيات إن وجدت بمضمون القرار والعمل على معالجتها، ولا سيما أن تنفيذ القرار تم إخضاعه، لبرنامج زمني متدرج محكم ومدروس، بحيث يتيح للمنفذين وأصحاب العلاقة، فرصة التقييم وإجراء التعديلات اللازمة، ولعلي أتساءل بكل أمانة في هذا السياق: هل من الأجدر والأفضل والأكثر قبولا منطقياً وعقلياً، وفقاً للعادات والتقاليد والأعراف السائدة، وحتى دينياً وشرعياً، أن يقصر بيع المستلزمات النسائية على المرأة دون الرجل، بالرغم من خصوصية وحساسية السلعة المباعة؟
في رأيي أن عدم تفعيل وتنفيذ الفقرة الثامنة من القرار الوزاري 120، سيقضي آجلا أم عاجلا على جميع المحاولات الحكومية الرامية إلى توسيع مشاركة المرأة في سوق العمل وفق الأهداف المنشودة، التي رسمتها ووضعتها الخطط التنموية الخمسية المتعاقبة على المملكة، ولا سيما في ظروف أصبحت تستدعي الحاجة لعمل المرأة، وتوسيع مشاركتها في مجالات عمل وأنشطة اقتصادية وتنموية متعددة، كانت في الماضي القريب حكرا على الرجل، ولعل ما يؤكد صحة ذلك، أن مشاركة المرأة، إلى يومنا هذا، لا تزال محصورة ومتمركزة في العمل في القطاع الحكومي، إذ بلغت نسبة مشاركة المرأة في ذلك القطاع نحو 30 في المائة عام 2004 من إجمالي موظفي الحكومة، غالبيتهن تركزن في قطاع التعليم، بما يساوي نسبته 84 في المائة من عدد العاملات، بينما لم تتجاوز مساهمتهن في القطاع الصحي 4 في المائة.
في رأيي أن الحل الوحيد للخروج من مأزق المشاكل الحياتية والمعيشية العديدة التي تعاني منها المرأة السعودية في بلادنا، وبالذات على الصعيد العملي، هو أن يتم تنفيذ القرارات الخاصة بشأنها، بلغة القانون وسيادة الدولة، طالما أن تلك القرارات لا تتعارض مع الثوابت والمعتقدات الدينية، بما في ذلك العادات والتقاليد، ولعلي أتفق تماماً في هذا الخصوص مع ما أشارت إليه الكاتبة جهيرة المساعد بمقال لها نشر لها في جريدة "الوطن" في العدد 2066، حول تشخيص حالة المرأة في بلادنا، تحت عنوان "أزمة المرأة السعودية"، أن أزمة المرأة السعودية الحقيقية في بلادنا هي نتاج كونها في متناول هؤلاء الفرقاء الذين يجتمعون عليها ويتعاملون مع وجودها بطريقة ركلات الترجيح، كل فريق يريد تسديد هدف يقوده إلى الفوز على الفريق الثاني، ولعل ما يؤكد صحة ذلك التشخيص، نتائج الدراسة التي نشرت تفاصيلها في الجريدة نفسها في العدد 2069، والتي ركزت على المعوقات العديدة التي تواجهها المرأة السعودية على صعيد العمل، والتي طالبت بإزالتها والتغلب عليها، ولا سيما وفق نتائج الدراسة التي تشر إلى أن كثيرا من القرارات والتوجيهات الصادرة عن أجهزة رسم السياسات الحكومية تفتقر إلى آلية التنفيذ، مما أدى إلى عدم تفعيل تلك القرارات والتوجيهات لتبقى في بعض الأحيان حبراً على الورق، ولعل ما يؤكد ذلك من وجهة نظري، تصريح معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي لجريدة "الاقتصادية" في العدد 4601، عن أسباب تأجيل تنفيذ تطبيق الفقرة الثامنة من القرار 120، رغم وجود عدد كبير من النساء وأهاليهن يرغبون في أن تعمل المرأة في محلات المستلزمات النسائية، والتي تمثل أهمها، في أن يوضع المتذرعون بقصر المدة على المحك، خاتما حديثه للجريدة المذكورة، بأن يسامح الله من يحول بين المرأة المحتاجة والعمل الشريف، ورغم احترامي الشديد لشخص معاليه، إلا أنني لا أوافقه الرأي وأختلف معه تماماً فيما أورده من كلام وأسباب عن التأجيل، وخصوصا أننا أمام قرارات تنموية واستراتيجية مهمة تعمل على التطوير من شأن المرأة في بلادنا، كالقرار 120 وغيره، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي