سوق الأسهم أم سوق المقاصيص؟
<a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a>
لا شك في أن ارتفاع نسبة التذبذب اليومي في أسعار معظم الشركات المدرجة في سوق المال وموجات الانخفاض والارتفاع الحادة التي عوّدتنا سوقنا المالية الناشئة على مشاهدتها أسبوعيا تزيد من مخاطر السوق بدرجة كبيرة، مع العلم أن أي محلل مالي لن يستطيع تفسيرها من ناحية استثمارية، فالسهم الذي كانت قيمته قبل أسبوعين 50 ريالا ووصل الآن إلى 30 ريالا لم تظهر له أية أخبار سلبية أو ايجابية يمكن أن تؤثر في سعره إلى هذا الحد، حتى الأحداث السياسية في المنطقة لم تكن يوما من الأيام ذات تأثير في تعاملات السوق، ولعل سلوك السوق أثناء أحداث الغزو الأمريكي للعراق برهان معقول على صحة هذا القول.
إذا كيف يمكن تفسير ما يحدث اليوم في سوق المال؟ وهل استمرار هذا السلوك الغريب أمر ايجابي أم سلبي على مستقبلها؟ وماذا يجب على الجهات المختصة أن تقوم به كي تخفض المخاطر الكبيرة وغير المقبولة التي تكتنف الاستثمار في السوق اليوم؟ والسؤال الأهم: مَن هي الفئات المستفيدة من استمرار هذا الوضع؟ وجميع تلك الأسئلة يمكن الإجابة عنها، لكن ستظل الإجابات نظرية ولا يمكن أن تسهم في معالجة أحوال السوق في المدى القريب على الأقل.
من الواضح أن السوق تحكمها سياسة القطيع بسبب كثرة عدد المتعاملين فيها وانخفاض ثقافتهم الاستثمارية واعتمادهم على المضاربات السريعة وتأثرهم بالشائعات، إضافة إلى التأثير القوي لما يسمى المجموعات، وهي بالمناسبة خصوصية سعودية تضاف لخصوصياتنا الأخرى، لأنها تسهم في اصطناع قوى العرض والطلب بهدف إعطاء مؤشرات إيجابية أو سلبية عن الأسهم التي تتعامل فيها من أجل تعظيم مكاسبها، كما أن فئة المستثمرين في السوق سلبيون جدا ولا يتفاعلون مع مؤشر الأسعار لا سلبا ولا إيجابا عن طريق اقتناص الفرص في حالتي البيع والشراء وهذا ما جعلهم خارج السوق ومحيدين تماما.
عليه فمن المتوقع أن تكون لاستمرار سلوك السوق الحالية نتائج سلبية على المدى المتوسط تتمثل في خروج السيولة منها إلى قنوات استثمارية أخرى، وهذا ما يجعلها غير جاذبة للرساميل ومدخرات الأفراد في المستقبل، وهذا مكمن الخطورة على الاقتصاد الوطني. كما أن ذلك يزيد من مخاطرها بدرجة كبيرة وهذا ما سيمنع كبار المستثمرين من الدخول فيها ولا سيما المحافظ الكبيرة، إضافة إلى الآثار الصحية والنفسية في كثير من المتعاملين التي ظهرت جليا مع موجة الانخفاض السابقة في شباط (فبراير) الماضي وتضررهم ماليا بشكل مباشر.
أعتقد أن جميع الأسباب التي وضعت مستقبل سوقنا المالية على كف عفريت، إن صح التعبير، تجتمع في قناة واحدة وكبيرة اسمها كثرة عدد المتعاملين الأفراد الذين يديرون محافظهم بأنفسهم، ما جعلهم عرضة لتأثير العديد من العوامل النفسية والشائعات والضغوط والتوصيات وغيرها، كما أنهم أصبحوا طعما لما يُسمّى المجموعات وأمسوا الخاسر الأكبر من لعبة السلوك المفتعل للسوق.
من هنا ينبغي التعجيل بعمل شركات الوساطة المالية وقصر التعاملات عليها فقط، وإلزامها بتقديم استشارات مالية لعملائها قبل أية عملية بيع أو شراء من أجل الحد من قدرة كبار المضاربين في التأثير في الأسعار وحركة المؤشر العام. كما أن الوقت ملائم لدراسة موضوع تقسيم محافظ المستثمرين إلى نوعين بشكل إلزامي: النوع الأول للمضاربة، والثاني للاستثمار قصير الأجل الذي يتجاوز مدته ثلاثة أشهر، فهذا سيؤثر في سلوك السوق إيجابا، أما فئة كبار المستثمرين ولا أعني بهم المضاربين فهم قلة، وهذا ما يسهل على هيئة سوق المال الاجتماع بهم وحثهم على المحافظة على إيقاع حركة الأسعار عن طريق تفاعلهم الإيجابي معها بالبيع والشراء وهذا ما يجعلهم صُناعاً مؤثرين بدلا من كونهم مستثمرين سلبيين.
لا بد أن تتفاعل هيئة سوق المال مع تطورات السوق من أجل بناء سوق ناضجة تستوعب مدخرات الأفراد والمستثمرين لاستثمارها في قنوات استثمارية ذات فائدة لهم وللاقتصاد الوطني بدلا من كونها الآن سوقا للمقاصيص، الخاسر الأكبر فيها الصغار والاقتصاد الوطن، والرابح فئة محدودة ما زالت كل يوم تبتكر أساليب غير أخلاقية لتعظيم أرباحها.