المضاربات غير المشروعة زادت هشاشة السوق
تراجعت سوق الأسهم السعودية بعد الإعلان عن جدولة طرح عدد من الشركات في اكتتابات أولية عامة، وتفاقم هذا التراجع مع تزايد التوتر السياسي والعسكري الإقليمي، مظهرا هشاشة الارتفاع الذي حققته السوق في الفترة الأخيرة، ومؤكدا أن السوق تمتلك قابلية شديدة للتراجع بحدة دون سبب مقبول. الأمر الذي يؤكد خطأ الاعتقاد بأن حل مشكلة السوق كان في ارتفاع السوق من جديد بأي ثمن كان، حتى لو كان ذلك من خلال التغاضي عن تجاوزات المتلاعبين في السوق. فقد نجح المتلاعبون في استغلال هذا الوضع بكل احتراف ومهنية، فكثفوا عمليات المضاربة على شركات صغيرة معظمها خاسرة ومتدنية الأداء يمكن السيطرة على حركة أسهمها بسهولة، ما مكنهم في فترة وجيزة جدا من دفع أسعارها إلى التضاعف عدة مرات. هذا الارتفاع غير المنطقي وغير المبرر في أسهم شركات المضاربة، وإن كان قد أسهم في تحقيق انتشال سريع للسوق من دوامة التراجع، إلا أنه زعزع الثقة بما يجري في سوق الأسهم السعودية، وجعلها عرضة لتذبذبات حادة غير مبررة.
هيئة السوق المالية وفي خضم سعيها لتجاوز مرحلة التراجع الحاد في السوق قد تكون، دون قصد منها، قد أوجدت انطباعا لدى المتلاعبين في السوق بأن شفافية السوق وعدالة تعاملاتها قضيتان مؤجلتان إلى حين تجاوز السوق أزمتها، وبدت كما لو أنها تتغاضى عن تلاعب المضاربين وتحالفاتهم غير القانونية، وأنهم قد يكونون في مأمن من الملاحقة والعقوبة. وفي حين أن هيئة السوق المالية خلال الفترة الماضية، ورغم عنف وجرأة عمليات المضاربة التي شهدتها السوق، لم توقف أي متلاعب، بل حتى لم توجه أي لوم لإدارة إحدى الشركات على تصريحات تحدثت عن خطط ومشاريع هي أقرب للوهم منها أن تكون حتى أحلاما، أسهمت في تغذية مضاربات محمومة على سهم تلك الشركة، خاصة أنها صادرة عن شركة خسرت حتى الآن ما يزيد على نصف رأسمالها ومرشحة بكل استحقاق للاستبعاد من التداول، فإننا نجد الهيئة تسارع في تأنيب مستشارها القانوني على تصريح له في لقاء في الغرفة التجارية في الرياض أشار فيه إلى وجود توجه لدى الهيئة لإقرار لائحة تتضمن التشهير بالمخالفين، وأكدت أن هذه اللائحة لا تعدو كونها أحد مشاريع الإدارة السابقة للهيئة وليس هناك أي توجه لدراستها أو البت فيها حاليا، بل إن الهيئة ذهبت أبعد من ذلك وطمأنت المتلاعبين بأن نظام التداول الحالي يجعل الهيئة غير قادرة حتى على رصد مخالفاتهم بدقة.
هذا الواقع جعل السوق شديدة الحساسية للتغيرات الاقتصادية والسياسية بصورة مبالغ فيها وأفقدتها دون مبرر واضح ما يزيد على 2800 نقطة في أقل من أسبوعين. فإعلان جدولة اكتتابات أولية لأربع شركات بقيمة إجمالية لا تتعدى سبعة مليارات ريال، أو ما يعادل نحو 1 في المائة فقط من حجم السيولة المحلية، البالغة حسب تقديرات مؤسسة النقد في نهاية أيار (مايو) الماضي نحو 589 مليار ريال، يتسبب في انخفاض السوق بما يزيد على 1200 نقطة. في حين أنه كان من المفترض أن تعطي هذه الجدولة إشارة إيجابية للسوق بأنه وعلى مدى الأشهر الأربعة المقبلة، على أقل تقدير، لن تكون هناك اكتتابات بأحجام كبيرة تؤثر بقوة في السوق. وتجدد الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط جعلت سوق الأسهم السعودية تواصل نزولها الحاد وتفقد في يوم واحد ما يزيد على 9 في المائة من قيمتها، وأن تكون السوق المالية السعودية الأكثر تراجعا على مستوى المنطقة، وبمعدلات قد تفوق حتى معدلات التراجع في أسواق المال في الدول المعنية مباشرة بهذا النزاع.
هشاشة السوق وتذبذبها الحاد يؤكدان أن استعادة السوق مصداقيتها أهم بكثير من ارتفاعها، وأن الهيئة قد تكون أضاعت فرصة فريدة عند تراجع السوق لضبط سلوكيات المتداولين والحد من عمليات التلاعب التي تسببت في ارتفاعها السابق المبالغ فيه ثم انهيارها لاحقا، وهذا التكرار لسيناريو الارتفاع ثم التراجع بحدة لا يمكن أن يكون في مصلحة أحد ويخدم المتلاعبين فقط. وعلينا أن ندرك أن عمليات المضاربة غير مشروعة تعطي انطباعا زائفا بتعافي السوق وارتدادها، ما يتسبب في إغراء صغار المتداولين للاندفاع نحو أسهم المضاربة رغبة في تحقيق تعويض سريع لخسائرهم، وكثيرا ما يأتي دخولهم على خط المضاربة على أسهم تلك الشركات متأخرا جدا وبعد بدء المتلاعبين بالخروج والتصريف، ما يجعلهم يفاقمون خسائرهم بدلا من تعويضها، وهم أشبه بمن يمشي في الوحل، كل خطوة يخطوها تعمق معاناته وتجعل إمكانية خروجه أصعب.