البحوث الفقهية.. والحاجة إلى التطوير من خلال التطبيقات القضائية
<a href="mailto:[email protected]">yafarraj@hotmail.com</a>
تعد البحوث الفقهية وما تنتهي إليه من أحكام وترجيحات من روافد القضاء والمعين له في تقريب المسائل وتصويرها وتنزيل النصوص على الوقائع المستجدة, ومن الملاحظ أن الباحثين في الفقه من غير القضاة من أكاديميين وطلبة علم أكثر تفرغا للبحث والدرس وأقل انشغالا للذهن, ولهذا فإن ناتجهم العلمي أعني غير القضاة هو الأكثر في الساحة العلمية.
لن يكون الحديث في هذا المقال عن الحاجة إلى التطوير في شكل وموضوع البحوث الفقهية, والتي من عيوبها: النمطية في خطة البحث ومنهجه وعرض الأقوال, وطريقة التعاطي مع النصوص, وأسلوب الترجيح الجانح إلى التوافق قدر المستطاع مع السائد فقها, والتهيب من مخالفة أقوال بعض الفقهاء الضخام كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين, الأمر الذي يفقد هذه البحوث الهدف الأسمى لها المتمثل في استشفاف مقاصد النص ودلالاته, وبذلك تتم معالجة المشكلات والتيسير على الناس في أمور حياتهم فيما لا يتعارض مع القواعد الكلية للشريعة, والمبرز لصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان, والبعد عن مغبة أو مسبة مقولة " نسخة أخرى في البلد " في حال لم يقدم البحث شيئا جديدا سوى ترديد كلام الفقهاء المتقدمين من غير نقد أو تحليل, ومن غير اجتهاد من قبل الباحث في فهم النص وتنزيله على الوقائع, واعتبار أقوال الفقهاء معينة له فقط في ذلك.
أقول لن أتحدث عن هذا لأنه حديث طويل ولكن أتطرق إلى جانب من التطوير المطلوب المتعلق بتطوير البحوث الفقهية من خلال الاستعانة بالتطبيقات القضائية, فالمفترض أن الأحكام القضائية تتضمن تحليلا للوقائع وتوصيفها, وآلية تنزيل النص عليها, والجواب عن فهم آخر للنص, أو رد على دلالة نصوص على الواقعة محل القضية, وذلك بدرجة تفوق البحوث الفقهية المجردة فضلا عن التقارير الدرسية أو الفتاوى العابرة, الأمر الذي يثري البحوث ويكسبها الحيوية نظرا لدخول عنصر الوقائع والتطبيق القضائي للنصوص عليها في العملية البحثية, فمن المهم الاستعانة بالأحكام القضائية في البحوث الفقهية, بل من المفترض أن تذهب الكليات ذات العلاقة إلى إلزام طلاب الدراسات العليا فيها بتضمين أبحاثهم هذه الأحكام بحسب طبيعة البحث.
ولكن العقبة الكبرى في هذه الفكرة هي توافر هذه الأحكام بين يدي الباحثين ليتسنى لهم الاطلاع عليها والاستفادة منها, ومن المعلوم أن تدوين هذه الأحكام ونشرها من مسؤوليات وزارة العدل, وقد صدرت الأوامر بضرورة العمل على نشرها, وقامت الوزارة بإنشاء إدارة متكاملة لتدوين ونشر الأحكام, وإلى حين انتهاء العمل على الإصدارات الأولى لهذه الإدارة فاقترح أن يكون هناك تنسيق بين وزارة العدل ووزارة التعليم العالي أو الكليات ذات العلاقة لتكون هناك آلية نظامية ورسمية لتزويد الباحثين بما يريدون من أحكام, والعمل على حذف ما يجب حذفه من هذه الأحكام من أسماء ومعلومات لها طابع السرية ولا يحسن نشرها, والموجب لذلك أن هناك بعض الإشكال بين القضاة والباحثين الأكاديميين, ففي حين يرى بعض القضاة أن طبيعة الأحكام الصادرة منه لها خصوصية تمنعه من نشرها وبذلها لكل أحد ولو كان من الباحثين, وأنه ربما يعرض نفسه للمساءلة في حال خالف ذلك, فإننا نجد عتبا من قبل الباحثين لهذا الرأي واعتباره تشددا غير محمود وشحا في المعلومة, وبرأيي أن الحل في التنسيق بين الجهات المختصة في ذلك.
وفيما يتعلق بالبحوث والدراسات العقارية فلا تختلف عن غيرها من البحوث من جهة الحاجة للتطبيقات القضائية إلا أنها قد تكون من البحوث الأكثر حاجة لهذه التطبيقات, وذلك لما هو معلوم لدى المختصين من قلة النصوص فيها, وفي المقابل فالوقائع فيها كثيرة ومتنوعة ومرتبطة في بعض صورها بالعرف, وبالتالي فستكون هناك وفرة في الاجتهادات القضائية الداعمة للدراسات الفقهية.