أسعار النفط: صيف آخر.. رقم قياسي آخر

<p><a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a></p>

تجاوزت أسعار النفط 75 دولاراً للبرميل في الأسواق الأمريكية الأسبوع الماضي، ضاربة بذلك رقماً قياسياً جديداً، كما هو موضح في الشكل البياني المرفق. ذكرت وسائل الإعلام أن السبب الرئيس لارتفاع الأسعار يعود إلى المشاكل السياسية في عدد من الدول المنتجة للنفط، خاصة فيما يتعلق بالخلاف حول برنامج إيران النووي والقلاقل السياسية في نيجيريا والوضع في العراق. ودعمت وسائل الإعلام ما قالته بتصريحات صحافية لبعض وزراء "أوبك" ومحللين نفطيين وماليين.
لا شك أن للعوامل السياسية أثرا في أسعار النفط، ولكن كيف لهذه العوامل السياسية أن ترفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في وقت بدأت فيه الأزمة مع إيران في الانفراج، وارتفعت فيه مستويات الإنتاج في كل من العراق ونيجيريا؟ هذه العوامل السياسية موجودة منذ أشهر، كيف لها أن تستمر في رفع أسعار النفط على الرغم من أن مستوى المخاطرة من وجهة نظر تجار النفط لم يتغير؟
قد يقول البعض إن الوضع قد تأزم في الفترات الأخيرة بسبب إطلاق كوريا الشمالية صاروخا عابرا للقارات، وبسبب إعادة إسرائيل احتلال قطاع غزة. إذا كان الأمر كذلك فلماذا وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية قبل إطلاق الصاروخ، دون توافر أي معلومات عن توقيت إطلاقه، ثم انخفاض الأسعار بعد إطلاق الصاروخ وزيادة تأزم العلاقات بين كوريا الشمالية والمجتمع الدولي؟ لماذا انخفضت أسعار النفط مع زيادة حدة المعارك بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي؟ لماذا انخفضت الأسعار بعد إعلان حماس الاستنفار الكامل؟ يرى البعض أن تأزم العلاقات مع كوريا الشمالية يهدد بعض خطوط الملاحة في جنوب شرق آسيا، الأمر الذي أسهم في رفع أسعار النفط. إذا كان هذا الأمر صحيحاً فإنه يقتضي ارتفاع أسعار النفط في تلك المنطقة مقارنة بالأسواق الأمريكية، ولكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما.

أساسيات السوق وراء ارتفاع الأسعار
إن السبب الرئيس لوصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية في الأسبوع الماضي هو أساسيات السوق: الطلب، العرض، المخزون، أسعار مصادر الطاقة البديلة، وتوقعات الإنتاج في المستقبل. فيما يلي بعض الحقائق المهمة التي تؤكد دور أساسيات السوق في رفع أسعار النفط:
1 ـ عدم تأثر نمو الاقتصاد العالمي بارتفاع أسعار النفط بشكل كبير بسبب استمرار الزيادة في الإنفاق الحكومي، وانخفاض الدولار، وموسم السفر في الولايات المتحدة، ومزج البنزين بالإيثانول في الولايات المتحدة بدلاً من مادة إم تي بي إي. يذكر أن عطلة 4 تموز (يوليو) في الأسبوع الماضي شهدت رقماً قياسياً من المسافرين على الطرق الأمريكية رغم الارتفاع الكبير في أسعار البنزين.
2 ـ رغم ارتفاع إنتاج "أوبك" في الأسابيع الأخيرة إلا أن إنتاجها ما زال أقل من مستوى الإنتاج في الربع الأخير من العام الماضي.
3 ـ رغم تخفيض التوقعات بشأن النمو خارج دول "أوبك"، إلا أن البيانات تشير إلى أن هذا النمو مازال أقل من هذه التوقعات، الأمر الذي أدى إلى زيادة التشاؤم بشأن مستقبل نمو الإنتاج خارج دول "أوبك"، خاصة في روسيا وبحر الشمال.
4 ـ ارتفاع تكاليف التنقيب عن النفط وإنتاجه بشكل كبير في الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط من جهة، وارتفاع أسعار المعادن اللازمة لصناعة المنصات والأنابيب من جهة أخرى.
5 ـ تشير البيانات إلى هجرة حفارات النفط من خليج المكسيك إلى مناطق أخرى من العالم، الأمر الذي يعكس الأثر السلبي للأعاصير في مستقبل هذه المنطقة، وانخفاض معدلات النمو في الإنتاج فيها.
6 ـ مازالت أسعار بدائل النفط، خاصة الغاز الطبيعي مرتفعة، ويتوقع لها المزيد من الارتفاع، الأمر الذي يمنع التحول من النفط إلى البدائل الأخرى في الوقت الحالي.
7 ـ رغم زيادة مستويات المخزون في الأشهر الأخيرة، إلا أن مستويات المخزون مقارنة بالطلب على النفط لم تتغير إذ بقيت في حدود 54 يوماً. لكن في الحقيقة يعتبر هذا انخفاضاً إذا اعتبرنا الأحداث السياسية التي تعصف بالعالم اليوم. فقد كان مستوى المخزون في حدود 52 يوماً، ولكن احتمال انقطاع الإمدادات كان أقل كثيراً من اليوم.

دور العوامل السياسية
لا بد من التفريق بين المدى القصير والمدى الطويل عند الحديث عن أثر العوامل السياسية في أسعار النفط. أغلب العوامل السياسية تؤثر في أسعار النفط في المدى القصير فقط حيث تزيد من تقلب الأسعار، ولكنها لا تحدد اتجاهات أسعار النفط المستقبلية. العوامل السياسية التي تحدد الاتجاهات المستقبلية لأسعار النفط تتمثل في الأحداث السياسية التي تخفض الطاقة الإنتاجية في الدول المنتجة أو تمنع وصول الإمدادات النفطية إلى الدول المستهلكة. لذلك فإن احتمال وقف الصادرات الإيرانية يعتبر من العوامل التي تؤدي إلى تذبذب الأسعار، ولكنها لا تؤدي إلى تغيير التوقعات المستقبلية لأسعار النفط على المدى الطويل. والأمر نفسه ينطبق على القلاقل السياسية في نيجيريا ما دامت لا تؤدي إلى تخفيض الطاقة الإنتاجية على المدى الطويل، والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وقيام كوريا الشمالية بإطلاق الصاروخ في الأسبوع الماضي.
ولكن هناك عوامل سياسية تؤثر في اتجاهات اسعار النفط على المدى الطويل مثل المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها بعض الدول العربية على الولايات المتحدة وهولندا عام 1973، والغزو العراقي للكويت، والاحتلال الأمريكي للعراق.
خلاصة الأمر: لكل طرف في صناعة النفط العالمية مصلحة معينة يتم التعبير عنها بالتصريحات الصحافية بطريقة أو بأخرى. لذلك سيستمر وزراء "أوبك" في لوم الأحداث السياسية والمضاربين، وسيستمر سياسيو الدول المستهلكة في لوم دول "أوبك".

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/hnree.jpg" width="499" height="300" align="center">

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي