ارتباط العملات الخليجية بالدولار وأسعار الفائدة "بالاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي.. هل توجد أوجه شبهة؟
رفعت يوم الخميس الماضي 29/6/2006 مؤسسة النقد الفائدة على الريال بواقع 20 نقطة، وذلك بيعا وشراء للعملات ولاتفاقيات إعادة الشراء. كذلك البنك المركزي القطري رفع الفائدة بنحو 25 نقطة، وهي خطوة استباقية من المؤسسة والبنك المركزي القطري قبل أن يرفع "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي سعر الفائدة للمرة الخامسة عشرة على التوالي، والمتوقعة في اجتماعه المقبل. وهي من المرات القليلة التي يتخذ فيها بنك مركزي خليجي خطوات سابقة على خطوات "الاحتياطي الفيدرالي" في رفع الفائدة، وذلك نتيجة الارتباط الواضح والصريح بالعملة الأمريكية والسياسة النقدية الأمريكية منذ تأسيس البنوك المركزية الخليجية. وقد كان لذلك الارتباط مبرراته وأسبابه الاقتصادية لاقتصاديات الخليج عموما والمملكة خصوصا في فترات سابقة.
وأنا هنا لست ممن يبحر كثيرا في أسواق العملات وأسعار الفائدة، وهي مواضيع متشابكة ومن القضايا ذات الأبعاد الاقتصادية السياسية المعقدة، ولا أعتقد أن من يديرها محسود على موقعه؟ فهو تحت صفيح ساخن ومطالب بأن تكون العيون والآذان مفتوحة طوال الوقت، وهي تدخل في صلب التأمين على سلامة الاقتصاد والتأكد من درجة حرارته بشكل مستمر، وتتطلب الإمساك بشعرة معاوية. ولكن المراقب لما حدث منذ 2001م يلاحظ أن هناك تغيرا واضحا في العلاقة بين عملات دول الخليج وارتباطها بالدولار الأمريكي، وكذلك الارتباط الطردي لأسعار الفائدة الأمريكية بالسياسة النقدية لهذه الدول! وهو ارتباط أملته طبيعة اقتصادات المنطقة ونشأتها كما قلنا.
وفي الآونة الأخيرة أثير العديد من الأسئلة حول مدى ملاءمة السياسات النقدية المتبعة في دول الخليج مع ظروف وطبيعة اقتصادات المنطقة الحالية مع وجود الكثير من العوامل والمتغيرات، سواء على المستوى المحلي الخاص بدول الخليج ككل وعلى مستوى كل دولة، أو على المستوى الدولي ووجود لاعبين مؤثرين جدد في الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند، وكذلك كتلة الاتحاد الأوروبي متمثلة في عملة اليورو. وهناك حديث كثير عن الدور الذي سوف يلعبه اليورو في السنوات المقبلة دولياً، وكذلك حول مستقبل الدولار الذي أصبح في حالة ضعف، إن من ناحية العجز المتراكم في الاقتصاد الأمريكي وتفوق عامل الاستيراد على التصدير أو من ناحية التغطية بالنسبة لإصدار الدولار. ويوجد أيضاً العوامل الجيوسياسية المؤثرة، والمتمثلة في رغبة دول الخليج والمملكة خصوصا في الانفتاح أكثر على دول العالم وتنويع العلاقات الاقتصادية مع مناطق مختلفة من العالم بدلا من وضع البيض في سلة واحدة، وهو الأمر الذي أكدته زيارات خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين السعوديون لمناطق مختلفة من العالم وتوقيع اتفاقيات اقتصادية متنوعة مع دول تلك المناطق.
وعودة إلى موضوع علاقة الدولار بعملات الخليج وكذلك أسعار الفائدة الأمريكية مع السياسات النقدية لدول الخليج، فقد حدث أمر لم يحدث في تاريخ العلاقة بين دول الخليج والدولار وأسعار الفائدة الأمريكية لم يلتفت إليه أحد، أو يعطيه اهتماما كثيرا إلا أصحاب الشأن وبعض المسؤولين عن السياسات النقدية في هذه الدول. فلأول مرة نجد أن أمريكا ونتيجة للوضع الاقتصادي المتردي للسنوات الأخيرة عمد "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي إلى تخفيض سعر الفائدة إلى أن وصل إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من 40 سنة، وهو نسبة 1 في المائة (1%) فقط في 2004م. وطبعا كانت السياسات النقدية في دول الخليج ونتيجة لوضعنا المرتبط إلى حد ما بالسياسة النقدية الأمريكية أيضا كانت تخفض كلما خفض "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي سعر الفائدة. لكن وفي هذه المرة تزامن وجود عوامل أخرى مؤثرة في اقتصادات المنطقة لم تكن مؤثرة سابقاً بشكل يمثل أهمية للتأثير في السياسة النقدية لدول الخليج. هذه العوامل تتمثل في أحجام سيولة عالية دخلت منطقة الخليج بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والتي لم يتم التعامل معها بشكل سليم وسريع. بل كان هناك نفي لبعض الأرقام التي تداولها الإعلام في حينه وكانت تتحدث عن نحو 200 مليار دولار. كذلك سيولة حكومية نتيجة ارتفاع أسعار النفط المطرد حتى وصلت إلى ما فوق 70 دولارا للبرميل حتى تاريخه. وهو الأمر الذي يعني أن هناك سيولة حكومية وكذلك سيولة خاصة تتدفق دون وجود قنوات استثمارية واضحة لاستيعابها، مما يعني أن اقتصادات المنطقة لم تكن مستعدة لها، وفي المقابل كانت السياسات النقدية وبحكم أنها تعودت على ارتباطها بأسعار الفائدة الأمريكية، حيث كان لدى صانعي السياسة النقدية الأمريكية وضع اقتصادي مختلف وهو الرغبة في تشجيع الاستثمار والحد من حالة الكساد، ومعدلات البطالة. أضف إلى ذلك ضعف البنية التحتية المعلوماتية التي تساعد متخذ القرار في منطقة الخليج.
إذاً حالة كساد في أمريكا مقابل حالة انتعاش اقتصادي "حادة" في دول الخليج وبوادر تضخم واضح رغم الإصرار الرسمي على أن معدلات التضخم لا تزال تحت السيطرة، بينما المعالجات كانت واحدة ـ تخفيض مستمر لأسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي وكذلك البنوك المركزية الخليجية. ومن المتغيرات الرئيسية في منطقة الخليج التي لم تشهدها من قبل، معدلات ائتمانية على المستوى الاستهلاكي عالية جداً (غير منتجة) لم يسبق لها مثيل، مع وجود أسواق أسهم وليست أسواقا مالية بالمفهوم العالمي أصبحت أشبه بالأسواق الشعبية - تفتقد التنظيم الكامل للأسواق - اضُطرت الحكومات في دول الخليج وأجبرت على التدخل وإجراء تعديلات كثيرة على تلك الأسواق بعد التراجعات الشديدة فيها، وكنا نتمنى لو أن التدخل كان قبل سنة أو أكثر، ولكن مع الأسف لا تزال سياساتنا تخرج من فكر محاولة حل المشاكل وليس منعها من الأساس. أي في الوقت الذي كانت فيه نسب التسهيلات الائتمانية في حالة نمو ـ علما أن جزءا من حركة الائتمان في دول الخليج هو خارج نطاق الإشراف والرقابة ولا تُعرف حجمه وطبيعته وهما عامل مؤثر في سلامة وصحة قرارات السياسات النقدية والمالية أيضا - كانت دول الخليج تقوم بتخفيض أسعار الفائدة تماشيا مع أسعار الفائدة الأمريكية التي كانت تخفض بشكل مستمر نتيجة المعطيات الرسمية لدى متخذي القرار الاقتصادي الأمريكي. وهو أمر كانت نتيجته واضحة حيث لا مفر من تسجيل معدلات تضخم عالية، نتيجة سيولة عالية وأسعار فائدة منخفضة ساعدت على الاقتراض مقابل مقاتلة على أصول استثمارية محدودة العدد في قنوات محصورة في الأسهم والعقار في دول الخليج.
والسؤال: هل قرار المؤسسة والبنك المركزي القطري برفع الفائدة قبل قرار "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي بداية إعلان نهاية شبهة الزواج العرفي التي يتحدث عنها الجميع بين السياسات النقدية لدول الخليج و"الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي؟ والسؤال الآخر: هل تم رصد العوامل الداخلية المؤثرة بشكل جيد والتي أصبحت لاعبا مهما ويجب إعطاؤها أهمية أكبر في رسم السياسات الاقتصادية الخليجية النقدي منها والمالي، من خلال أنظمة معلوماتية دقيقة تغطي جميع القطاعات المؤثرة في رسم السياسات النقدية والمالية؟