سوق الأسهم .. الغث والسمين
<a href="mailto:[email protected]">fawazhf@yahoo.com</a>
انجلت الغمامة وبدأت الرؤية تتضح بعد انحسار الفقاعة وبدأ المجتمع الاستثماري أو جزء منه يتحرر من مراقبة الشاشات وألوانها الحمراء والخضراء في فترة وجيزة جدا بعمر التاريخ تأسس سوق أسهم نشط كيفا وعدا وهيئة رقابية وتجربة فقاعة وتغييرا في إدارة الهيئة المشرفة على مراقبة الأسواق المالية وتدخل الحكومة. كل هذه التجربة تحدث في نحو ثلاث سنوات، والجزء الأكبر منها في عدة أشهر فقط. الخوف أن هذه التجربة الغنية بما فيها من غث وسمين كانت مفيدة جدا، بحيث ألا تسمح للكثير بفهم أبعادها وفهم دروسها والاستفادة منها لبناء مستقبلي أفضل بسبب قصر المدة وكثرة الأحداث. هذا يضاعف المسؤولية الملقاة على صانعي القرار الاقتصادي في المملكة خاصة رئيس هيئة سوق المال، علما بأنه مازال يمارس دوره "الأكبر" كأمين المجلس الاقتصادي الأعلى، وهو لذلك في موقع مسؤولية يمكنه من وضع تطورات السوق الآنفة الذكر في الإطار الصحيح لخدمة قضية التنمية الأهم. لعلنا نتلمس سبلا للتعامل مع التطورات القادمة ليس فقط لتفادي بعض الأخطاء في الفترة السابقة، ولكن "لإعادة" سوق الأسهم إلى وضع طبيعي في الحركة الاقتصادية، حيث الدور الغالب في السنوات القليلة الماضية ابتعد عن الحقيقة من ناحية دور سوق الأسهم كأداة لتوفير رأسمال للاستثمار من ناحية ومن ناحية أخرى في بعده عن أسس التقييم المتعارف عليها.
يطغى على طبيعة الناس الطموح ولنقل الطمع الإيجابي في تحسين مراكزهم المالية، ولذلك صاحب نزول أسعار الأسهم بعض اللوم المبرر أحيانا وغير المبرر أحيانا أخرى، ولكنها طبيعة الإنسان. أحد مظاهر هذا اللوم هو توقع الكثير أن تعمل الجهات الرسمية على "دعم" السوق لكي يستمر الشريط في اللون الأخضر، وحينما يغلق اللون الأحمر ترى الكثير يبحث عن شماعة ليعلق عليها المسؤولية، فتجد الكثير رأسماليا حتى العظم، حينما يرتفع المؤشر واشتراكيا حتى النخاع حينما ينزل المؤشر. هذا التذبذب في الفكر والتعامل مع رأس المال المستثمر لا يتماشى مع اقتصاد السوق الحرة الذي تأخذ به المملكة كنظام اقتصادي. يقوم سوق الأسهم بدور مهم في اقتصاديات السوق الحرة من خلال تسخير رأس المال للاستثمار في أجدى السبل وبفاعلية ولكن بمخاطر. فإذا حاولنا إزالة المخاطر "بمساعدة حكومية" فحينها نؤثر سلبا على الاستخدام الأمثل لرأس المال. فالمخاطرة هي الوجه الأول للعملة، ويبقى الاستثمار الأجدى هو الوجه الآخر. فصل الاثنين عمل اصطناعي قد يرضي البعض إعلاميا وعاطفيا، ولكنه لا يخدم أحدا في المدى البعيد، بل يشوّه الاقتصاد ويعطي المستثمرين إشارات خاطئة. السؤال ذو العلاقة هو كيف تتصرف هيئة سوق المال لضبط هذا التناغم؟ وما هي الآلية المتبعة وكيف لها أن تتواصل مع الوسط الاقتصادي والاستثماري لتحقيق هذا الغرض؟ على الهيئة ومسؤوليها ضغوط لتحقيق أهداف قصيرة الأجل تتمثل يوميا في رغبة الناس أن يشاهدوا الشريط أخضر دائما، ولكن الغرض الأساس من تأسيس الهيئة والمسؤولية المهنية الأخلاقية هي في قيام "تشريع/ مراقبة" سوق رأسمال صحي لخدمة اقتصاد أكثر فاعلية. الأمل أن تفرق الهيئة والسلطات المالية والاقتصادية الأخرى ذات العلاقة بين التكتيك في مداراة الرغبات الآنية للناس وبين الاستراتيجي في إيجاد هيئة سوق مال ذات شخصية اعتبارية قوية وافية لحماية مقدرات وخيرات الوطن والمواطنين.
لدى الهيئة لوائح تنظيمية شاملة ومتطورة أخذت من حيث انتهى الآخرون، علما بأن التنظيمات التشريعية في تطور وأدوات السوق المالية تستجد باستمرار، فعلى الهيئة البناء على ما هو موجود استباقا وليس تبعا لقيادة وتحسين البيئة القانونية للوسط المالي. المفقود هو الحزم والوضوح في تطبيق اللوائح.
مصداقية الأسواق المالية تعتمد في الأساس على ما تستطيع الهيئة الحصول عليه من هيبة واحترام مهني وشفافية وضوح النظام وتطبيق الأنظمة بحزم وسرعة وعدالة، حيث لا يمكن حماية وتنمية أسواق المال بدونها. إحدى الملاحظات على الهيئة هو نقص الكوادر القادرة فيها ماليا وقانونيا، كما أن دور الجانب القانوني وإبراز دوره يبقى محدودا في هيئة قابلة بطبيعة عملها للخلافات القانونية، خاصة أن الهيئة في طريقها إلى السماح بأطراف أخرى للدخول على الوسطاء ومديري المحافظ، كما يتطلب مراقبة وشفافية وتنفيذا أعلى. يرى المراقب المالي أن هناك شركات ذات أداء مالي ضعيف وتتجه نحو الإفلاس في بعض الأحيان، إذا استمر الأداء على المنوال نفسه. فيحبذ أن تكون هناك آلية لإبعاد بعض الشركات عن السوق بعد أن يوجه لها تحذير علني وواضح لتطبيق أسباب التحذير. يقابل ذلك مرونة أكثر في الطرح لكي يكون لدينا سوق أكبر وأكثر تنوعا وأعمق. بعد هذا التصحيح الحاد هناك بعض الأصوات تنادي "بحماية" السوق من الأطروحات الكبيرة والمعلنة القادمة في هذا العام كمدينة الملك عبد الله الاقتصادية وبنك الإنماء وشركة كيان السعودية وجبل علي ومعادن وبعض الشركات الأخرى. لا شك أن هذه سوف تؤثر في السوق نظرا لكبر حجمها من ناحية وتقارب الفترة الزمنية في طرحها ولكن تأخيرها إلى أجل غير مسمى لن يخدم السوق في المديين المتوسط والبعيد.
من أهم التحركات الإصلاحية وضوحا أن هناك حاجة ماسة لفصل إدارة السوق عن الدور التنظيمي الرقابي للهيئة لإعطاء الهيئة مساحة أوسع وفاعلية للسوق أكبر. الجميع يراقب إدارة الهيئة الجديدة ويتابع ليس قدرتها على مواصلة البناء فقط وإنما قدرتها على إيجاد البيئة الصحية للاستثمار ومصداقية المعلومة المالية وحماية الناس والمساعدة في تسخير رأس المال إلى مجالات الاستثمار الأكثر جدوى. ليس من مسؤولية الهيئات التنظيمية حماية المستثمر من قراراته الخاطئة وعدم قيامه بجهد لمعرفة أدوات الاستثمار أو قراءة القوائم المالية، ولكنها مسؤولية الهيئة في عقاب من يقدم معلومات خاطئة أو من يستغل معلومات داخلية أو شطب شركة من النظام المالي إذا لم تتبع الأنظمة بدرجة عالية من الشفافية والأمانة.