Author

القتل باسم الدين

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> وهل هناك أكثر علما بالخلق من خالقهم، وهو القائل في محكم كتابه الكريم "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"، ثم يصف سبحانه وتعالى فئة من المفسدين في الأرض بقوله "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ". فتن كقطع الليل بدأت تضرب في جسد الإسلام والمسلمين، خلطت الأوراق وعكرت صفاء الشريعة الإسلامية السمحة، شوهت تعاليم الدين، وأحكامه، وأثارت الحاقدين على الدين وأهله. أقحمت المسلمين في نزاعات أصولية ألحقت بالأمة ويلات الدمار. كنت قد بدأت كتابة مقالتي الأسبوعية حول ما يتعرض له الدين الإسلامي من هجوم كاسح من قبل اليمين الغربي المتطرف، وعن الحملات الصهيونية المنظمة التي بدأت تشوه العبادات الإسلامية وتصورها بصور يخجل المرء من ذكرها، إلا إنني استبدلت بالموضوع، رغم أهميته، موضوعا آخر لا يقل عنه حساسية وتأثيرا على دولة الإسلام، بعد أن كشفت الأجهزة الأمنية عن وقائع وأحداث عملية "فجر النخيل" التي أحبطت من خلالها مخططات الإرهابيين في عقر دارهم، وحمت بفضل من الله ثم بفضل يقظة الجهاز الأمني، البلاد من مخططات الإرهابيين التفجيرية. الإرهابيون، على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، هم أعداء الإسلام و البشرية، وهم أشد خطرا عليه من المشركين. يتلذذون بقتل الأبرياء وإراقة الدماء وتدمير الممتلكات وقتل الحضارات. حرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس البشرية بالعموم، والإفساد في الأرض. قال تعالى "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا". كيف يجرؤ من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، على محاربة المسلمين وترويع الآمنين والتخطيط لدمار الأمة؟ ألا يعتبر مثل هذا خرقا فاضحا لتعاليم الدين، ومخالفة صريحة لمقتضيات كلمة التوحيد؟ أين هؤلاء من قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، أي خزي ينتظر الذين يحاربون الله ورسوله فيعيثون في الأرض مفسدين؟. في الأسبوع الماضي كتبت عن "دمعات الرحمة" التي انتثرت من عيني الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما رأى الأيتام الذين فقدوا آباءهم، برصاص الإرهابيين، وأشرت إلى أن دموع الرحمة تبعث رسائل خاصة إلى أصحاب الفكر الضال، وتكشف لهم عن حجم المأساة التي يعاني منها مجتمعنا الإسلامي، وربطت بين رحمة الملك وقراره العفو عن كل من يسلم نفسه من معتنقي الفكر الضال الذي صدر في عام 2004، معتقدا أن هؤلاء الإرهابيين يمكن لهم أن يتفاعلوا مع المشاعر الإنسانية والدعوات الصادقة، إلا أنهم كانوا أكثر قسوة مما يتصور الجميع. نزعت من قلوبهم الرحمة والعياذ بالله، فألحقوا الشهيد، بإذن الله، عبد الرحمن بن حسن الشهري، بإخوانه السابقين شهداء الواجب، فوسعوا دائرة القتل والدمار وألحقوا الأذى بالمسلمين الآمنين. وهاهي الفرصة تعود لهم من جديد، بعد أن جدد الملك عبد الله عفوه الكريم عن كل من يسلم نفسه منهم، طواعية لقوى الأمن. ستة من الإرهابيين قتلوا برصاص رجال الأمن، الساهرين على أمن البلاد والعباد، فثارت ثائرة أنصار الفكر الضال من خلال المنتديات مهددين ومتوعدين بالانتقام، ولعلهم لا يعلمون أن انتقام الله منهم لقريب "والله عزيز ذو انتقام". من الأحق بالانتقام، المجرم أم الضحية؟. لا يمكن أن ننفي عن منفذي العمليات الإرهابية إجرامهم، إلا أن مؤيديهم والمتحمسين لأفكارهم، المنافحين عنهم في الغرف المظلمة هم أشد إجراما وفتكا بالأمة، فالمنفذون قد واجهوا مصيرهم المحتوم، أما هؤلاء الطلقاء الذين يُذَكّرون ولا يَذكرون، وتقرأ عليهم آيات ربهم ويعرضون، هم وقود النار وهم مصدر الفتنة، الذين سينتقم الله منهم جرّاء ما فعلوا. قال تعالى "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ". كيف يفكر هؤلاء؟ ومن الذي يخطط ويقدم لهم الدعم المادي واللوجستي؟ وما هي أهدافهم الحقيقية؟. أسئلة حائرة تبحث عن إجابة تامة غير منقوصة. تحتاج إلى دراسات متعمقة تلامس الواقع المر الذي يُخرج لنا هذه النبتات الشيطانية كلما اعتقدنا باستئصالها من الجذور. من الذي يضلل الشباب المراهق، ويدفع بهم إلى ساحات القتل والترويع والدمار؟. قطعا هناك عقول متخصصة في غسيل أدمغة الشباب السعودي تبدأ معهم بالترغيب والتشجيع على جهاد المشركين وتنتهي بتوجيههم نحو قتل المسلمين الآمنين. القضاء على هؤلاء ليس بالأمر الهيّن، وما تقوم به قوات الأمن من عمليات استباقية وعمليات تتبع ومواجهة، ما هو إلا جزء يسير من عملية القضاء على الإرهابيين، والجزء الأكبر تقع مسؤوليته على علماء الأمة، والمعلمين، والأسر، وخطباء وأئمة المساجد، وجماعات الأحياء، كل هؤلاء مسؤولون أمام الله في تحصين الشباب ضد تيارات الفكر الضال، وحمايتهم من استغلال الإرهابيين لهم واستخدامهم كقنابل موقوتة لتفجير مجتمعاتهم الإسلامية. جزى الله الوالد المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ خير الجزاء، فقد كان حاضرا كعادته، بفصاحته، وعمق خطبه وتوجيهاته الأبوية، فند أعمال الإرهابيين وأفكارهم، ونبّه إلى أعمالهم الإجرامية ونواياهم العدوانية التي تهدف إلى تحويل المجتمع إلى ساحة للفتنة والبلاء. حث المجتمع على العمل من أجل محاربتهم والكشف عنهم في أوكارهم، وحذر من إيوائهم أو التستر عليهم. تمنيت أن يستمع هؤلاء إلى خطبة سماحة المفتي، وتوجيهاته فلعلهم يتحسسون ما تبقى لهم من بريق أمل يساعدهم في النجاة من حبائل الشيطان. توقفت كثيرا عندما ذكر سماحة الوالد المفتي بأن: "هؤلاء أعداء لكل خير، يريدون بجهلهم أن يحولوا هذا المجتمع المسلم المطمئن، من أمن واستقرار ورغد عيش إلى فتنة وبلاء، ويأبى الله والمؤمنون ذلك". نعم يأبى الله سبحانه وتعالى أن تتحوّل واحة الأمن والآمان التي دعا لها سيدنا إبراهيم ربه، قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ". ويأبى المؤمنون أن يجحدوا نعم الله التي أنعمها عليهم، أو يستبدلونها بما هو أدنى وأضر، وفي مقدمتها نعمة الأمن والأمان، وتحكيم الشريعة الإسلامية. ما زلت أقول إن رحمة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو ما أكده - حفظه الله - قبل أيام قليلة، تتسع لكل الخارجين على القانون، وفي مقدمتهم أصحاب الفكر الضال، شريطة أن يبادروا إلى تسليم أنفسهم، ورحمة الله أشمل وأعم، وأعظم وأعلى. أبواب العودة ما زالت مشرعة، ومن الظلم أن يغلقها هؤلاء على أنفسهم، وهم أكثر الناس حاجة إليها. أرجو أن تتضافر جهود الدعاة والعلماء في الحث على الاستفادة من هذا العفو الملكي الكريم، وأن تتفاعل وسائل الإعلام، ومواقع الإنترنت مع هذا العفو الكريم. وأتمنى على هؤلاء أن يعودوا إلى الحق وأن يستدركوا ويستغفروا الله عما بدر منهم، فـالتائب من الذنب كمن لا ذنب له. أسأل الله العظيم أن يهدي ضال المسلمين، وأن يعيدهم إلى طريق الحق "إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
إنشرها