رجال الأعمال ومناصب الدولة

<a href="mailto:[email protected]">imbadawood@yahoo.com</a>

تمر المملكة العربية السعودية حالياً بمرحلة متميزة لم تشهد مثلها من قبل حيث تعتبر موازنة الدولة للعام الحالي الأعلى في تاريخها ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار الزيت الخام غير المسبوق والمنطقة عموماً تمر بانتعاش اقتصادي متميز وشهية رجال الأعمال مفتوحة بشكل كبير للدخول في استثمارات كبيرة وتحقيق إنجازات غير مسبوقة وبالتالي جني أرباح وفي نفس الإطار تقوم بعض قطاعات الدولة بمراجعة أدائها والسعي لاستقطاب الكفاءات الإدارية المتميزة رغبة في تحسين أدائها وتطويره، كما أن الدولة سعت في السنوات الأخيرة لاستقطاب بعض كفاءات القطاع الخاص من رجال أعمال وغيرهم وتعيينهم في مناصب إدارية رغبة في الاستفادة من خبراتهم العملية في القطاع الخاص وحرصاً على تغيير الصورة التقليدية والنمطية لبعض الإدارات الحكومية إلا أن ذلك لم يرق للمستوى المطلوب ولم تظهر آثاره بشكل فاعل حتى الآن.
هناك تحد كبير وصعوبة بالغة تواجه الذين يتم اختيارهم من رواد القطاع الخاص للعمل في القطاع الحكومي، وعلى الرغم مما في هذا الاختيار من بعض المزايا والإغراءات غير المادية ومنها المسميات والمناصب الشرفية إلا أن تبعات ذلك كبيرة ومتعددة تجعل الكثيرين منهم يترددون في القبول أو الموافقة عليه وهناك في المقابل عدد من رجال الأعمال الذين يتمنون مثل هذه المناصب ومستعدون أن يدفعوا أموالا طائلة لأجلها ويؤكد ذلك ما نشرته الصحف قبل عدة أسابيع من القبض على أحد السحرة وبحوزته مبلغ كبير من أحد رجال الأعمال دفعه لأجل الحصول على منصب حكومي.
وبين هؤلاء وهؤلاء تبقى الحكمة في الحرص على الاستفادة من النخبة التي أثبتت جدارتها ونجاحها في قطاع الأعمال والعمل على نقل هذه الخبرة لكسر حواجز البيروقراطية والجمود الموجودة في العديد من الجهات الحكومية.

المشكلة التي تواجه هذه النخبة المتميزة من الكفاءات الإدارية في القطاع الخاص والتي تدفعهم إلى التردد في القبول للعمل بهذه المناصب في القطاع الحكومي هي يقينهم المسبق بأنهم سيفشلون في تحقيق أي إنجاز وإيمانهم بأنهم لن يتمكنوا من إضافة شيء وتأكيدهم على المثل القائل (لن يصلح العطار ما أفسد الدهر) وخشيتهم بأن يشوهوا مسيرتهم الناجحة في الحياة العملية بمنصب قد يسيء لهم أو أن يصيبهم داء الدوائر الحكومية من بيروقراطية وروتين، خاصة ً إذا كان هذا المنصب مرتبطا بجهات قد انتشر فيها الفساد وتأصل حتى أصبح نزعه والقضاء عليه من أشباه المستحيلات، إضافة إلى خشيتهم على نشاطهم الاقتصادي والتجاري والذي تعبوا فيه سنين عديدة إلى أن بلغ ما بلغ، وفي المقابل يجدون أن عليهم واجباً مهماً وهو تلبية نداء الوطن وخدمته وتحقيق تطلعات أولي الأمر في اختيارهم أو تحمل ألم ترشيح آخرين إذا ما اعتذروا ممن لا يملكون كفاءة أو قدرة لنفس المكان فهم بين أمرين أحلاهما مرٌ ، فإما الاعتذار أو الموافقة على الترشيح وانتظار إصدار القرار .
لقد عمدت الدولة وفقها الله أخيرا إلى تفعيل آلية الخصخصة في القطاع الحكومي فبدأت بالاتصالات وخطت خطوات مهمة في الخطوط السعودية وهي من حين لآخر تحرص على تطعيم الأجهزة الحكومية برجال الأعمال المتميزين سواءً من خلال الإدارة المباشرة أو من خلال مجالس الإدارات أو اللجان الفرعية أو بعض مجالس الدولة العامة، ولا بد أن يراعي رجال الأعمال هذا الجانب وأن يهتموا ويحرصوا على التفاعل مع مثل هذه الترشيحات بما يحقق الهدف السامي الذي تسعى الدولة لتحقيقه وهو رفع كفاءة ومستوى الخدمات التي يقدمها القطاع العام وبالتالي يساهموا في رفعة هذا الوطن وتطوير خدماته، وأن يحتسبوا لذلك ويقدروا ثقة المسؤولين فيهم وأن يعملوا بكل جهد وإخلاص لتغيير بيئة العمل وإصلاحها ووضع أسس جديدة راسخة تستمر بعد خروجهم من مناصبهم وفي المقابل فعلى المسؤولين أن يقوموا بتوفير كامل الصلاحيات المطلوبة للمرشحين وأن يلبوا متطلباتهم التي تساهم في إنجاحهم إن أرادوا لهم النجاح.
إن إنجاح هذه الخطوة وإكمالها يحتاجان إلى عزيمة صادقة من الطرفين فتوافر الأموال والصلاحيات والخبرة يحتاج في كثير من الأحيان إلى شجاعة وقوة في اتخاذ القرارات من المرشح وتفويض شامل وكامل من أصحاب الشأن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي