بل أنت التي تسامحينا ياهدى
<p><a href="mailto:[email protected]">Badawoodim@alj.com</a></p>
هدى طفلة فلسطينية لم يتجاوز عمرها عشر سنوات خرجت ظهر يوم الجمعة الماضي مع والديها في نزهة لتلعب على شاطئ البحر يرافقها إخوتها وأخواتها الذين تراوح أعمارهم بين عام وعشرة أعوام، خرجت هدى وخرج معها ملايين الأطفال في أنحاء العالم العربي مع عائلاتهم إلى الشاطئ ليستمتعوا بنزهة جميلة بعد عناء الامتحانات، خرجت هدى مع أسرتها وكان العدو يراقبها ويراقب كل أفراد أسرتها فوجدها تلعب بالرمل ووجد عائلتها تستمتع بمنظر البحر ووجد إخوتها يمرحون فرحبن على الشاطئ فشعر بأن هناك خطراً يهدده وأن عمليةً إرهابية على وشك أن تتم وأن هؤلاء إنما هم أعضاء في منظمة القاعدة وأنهم في موقعهم الحالي يهددون الكيان الإسرائيلي بأكمله خصوصاً أولئك الأطفال الذين يلعبون على الشاطئ ويبلغ عمر أصغرهم عاماً لا يملك حتى أن يمشي أو يعتمد على نفسه.
لقد قام العدو الإسرائيلي على الفور بأخذ إجراء سريع لردع هذه الفئة التي تهدد كيانه وأصدر أوامره فوراً بإبادتها فأطلق صاروخين على الأطفال والوالدين من بارجة كانت موجودة على الشاطئ فقتل والد هدى ووالدتها وإخوتها جميعاً بمن فيهم ذلك الطفل الذي لم يتجاوز عمره العام، وبقيت هدى تتلفت يمنة ويسرة تبحث عن ذويها وتجري هنا وهناك إلى أن وجدت والدها جثة هامدة على الشاطئ فأخذت تصرخ بأعلى صوتها مات أبي، قتلوا أبي، وتضرب نفسها وصدرها وتدفن رأسها بالرمل وبين يديها جثة أبيها الذي كان قبل لحظات يلعب معها ويقدم لها عطفه وحنانه الأبوي.
لقد سجلت كاميرات تصوير قناة الجزيرة مشهد هدى وهي تبحث عن أبيها إلى أن وجدته وقد كان في هذا المنظر تذكير لنا بمنظر مقتل محمد الدرة وهو يحتمي بجسد أبيه إلى أن مات على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وها هي المناظر تتكرر وهاهي هدى ترافق جثمان عائلتها كلها في اليوم الذي يليه وتسقط فاقدة وعيها "لا تتركوني وحيدة" وها هي تزحف على ركبتيها نحو قبر أبيها لتطبع قبلة عليه وتطلب منه بصوت منتحب أن يسامحها قائلة "سامحني يابا، سامحني يابا ".
بل أنت التي تسامحينا ياهدى، سامحينا على ذلنا وقصورنا ومهانتنا، سامحينا على هواننا وخورنا، لقد ماتت أحاسيس كثير منا ياهدى وماتت مشاعرهم وأحاسيسهم وإن تأثروا وبكوا فإنما يبكون للحظات ثم ينسون، سامحينا ياهدى فقد شاهدناك وأنت تبكين وتنتحبين وبين يديك جثة أبيك فلم نملك أن نفعل لك شيئا وأفضلنا هو الذي رفع يديه بالدعاء لك، شاهدنا أمك وإخوتك وهم ينتشلون من على الشاطئ جثثاً هامدة فأسفنا كثيراً أن يفعل هذا بكم وأنتم الأبرياء، تساءلنا ما ذنبكم وما الذنب الذي اقترفتموه ولماذا قتلكم العدو؟ فلم نجد إجابة لدى أحد كما لم نجد أي استنكار أو تنديد أو حتى تأسف، بل حتى الذين تعلقوا بالقوى العظمى فقد صدتهم ورفضت أن تعلق حتى على مثل هذا الأمر.
إنني أهدي هذا المشهد إلى المنادين ليل نهار إلى الاعتراف بهذا العدو، وأهدي هذا المشهد إلى المهرولين والمفاوضين الذين يرجون سلاماً من هذا العدو، وأهدي هذا المشهد إلى من يمدون أيديهم ليصافحوا هذا العدو ويفتحون له أبوابهم ويستقبلونه، وأهدي هذا المشهد إلى الذين يتسابقون للتواصل مع هذا العدو في السر والعلن، وأهدي هذا المشهد إلى الذين يرسلون الجيوش ليحاربوا الإرهاب ويقضوا عليه، وأهدي هذا المشهد إلى الأسر الإسرائيلية في كل أنحاء العالم وإلى القنوات الفضائية وإلى كل منبر إعلامي في العالم ليتأكد لديهم حقيقة واضحة بأن هذا العدو لا يريد سلاماً بل سيبقى عدوا يبحث عن السيطرة على المنطقة من خلال دعم ومساندة القوى العظمى.