من المسؤول؟
<a href="mailto:[email protected]">almaeena@arabnews.com</a>
قرأت يـوم الثلاثاء الماضي خبرا في الصحف يقول إن شركة آي. بي. إم I B M , وهي إحدى كبريات شركات الكمبيوتر في العالم, ستستثمر نحو ستة مليارات دولار في الهند خلال السنوات الثـلاث المقبلة. وسيضمن هذا القرار للهنود مكانا بارزا في تشكيل منتجات شركة آي. بي. إم, كما سيؤكد مكانة الهند باعتبارها منبعا ثريا للمهارات في التكنولوجيا الراقية.
وهناك شركات عالمية مرموقة تتنافس للحصول على نصيب في السوق الهندية التي تعتبر ثاني أسرع الأسواق نموا في العالم, والشركات الأخرى التي استثمرت كل واحدة منها أكثر من مليار دولار تشمل: مايكروسوفت, إنتل, وسيسكو, وغيرها.
وسبب استثمار هذه الشركات في الهند يعود أساسا إلى وفرة الخريجين ذوي المؤهلات الفنية العالية الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة, واشتد التنافس بين هذه الشركات على الاستثمار في الهند والحصول على الكفاءات العلمية فيها إلى درجة الحرب الحقيقية.
وقال صمويل بالميسانو رئيس مجلس الإدارة المدير التنفيذي لشركة آي. بي. إم أمام موظفي الشركة الهنود, البالغ عددهم عشرة آلاف موظف ويبلغ متوسط أعمارهم 24 سنة فقط, إن فرص الترقية في الشركة غير محددة.
والواقع فإن مئات الشركات العالمية تستثمر في الهند التي, رغم المعوقات البيروقراطية فيها, توجد فيها عوامل جذب أخرى على رأسها وجود الخريجين المؤهلين.
وأستغرب لماذا لا تتوقف هذه الشركات الكبيرة عندنا وهي في طريقها إلى الهند؟
ربما يعود ذلك لأن شركاتنا نفسها تبحث عن العمالة في الخارج.
وفي عالم اليوم, المتغير بسرعة فائقة, فإن التركيز يكون دائما على العلوم, التكنولوجيا, المهارات التسويقية, واللغات. والشركات السعودية التي تنشد التقدم عليها أن تبحث عن الخبرات, وهذه الشركات تتردد كثيرا في توظيف الخريجين الجدد, والسبب هو أنهم لا يجتازون امتحان القبول على الوظيفة!!
وأعلم هذا عنهم لأنني صادفت كثيرين منهم.
وهؤلاء الخريجون يأتون من الجامعات دون أن يكونوا مؤهلين لدخول الحياة العملية فليست لديهم المعرفة الكافية ولا الخبرة في استخدام الكمبيوتر, كما أن لغتهم الإنجليزية قد لا تكون على المستوى المطلوب ولغتهم العربية كثيرا ما تكون ضعيفة, وينقصهم الوعي بأخلاقيات المهنة.
وإذا حدث أن فصل أحدهم لأي سبب من الأسباب فإنه يذهب على الفور إلى مكتب العمل لتقديم شكواه!!
طبعا ليس من العدل التعميم لكن عندما تجد خريجا أخلاقه عالية, تجد معرفته ضعيفة, وبالطبع فمن واجب المستخدم تدريب موظفيه وهذا شيء لا غبار عليه لكنه إذا كان سيعلمهم من جديد بعد 16 عاما من الدراسة والتحصيل فلا بد أن في الأمر خللا ما، وفي هذه الحالة, على من يقع اللوم؟
وفي الهند تجد المدارس مبنية من الخيزران, وليس في جامعاتها الأجهزة والمعدات المتوافرة عندنا, وأحيانا يقطع الطلاب بين خمسة إلى ستة كيلومترات مشيا على الأقدام أو على الدراجات للوصول إلى هذه الجامعات ومع ذلك تجدهم نوابغ ومتميزين, وهم نفسهم الخريجون الذين تتنافس عليهم الشركات العالمية الكبرى وليس على خريجينا!
وعلينا أن نسأل أنفسنا عن السبب وألا نلقي باللوم على الخريجين وحدهم لكن أيضا على الآباء والمدرسين وعلى نظام التعليم الذي يحرم الصغار من المعرفة ويحولهم إلى ببغاءات تردد ما تسمع دون أن تعي ما تقول, هذا بالطبع يحرم خريجينا من المنافسة في الأسواق العالمية, خاصة إذا كان همنا ينصب أساسا على الإحصاءات المتعلقة بعدد المدارس, الجامعات, والطلاب.
إنني أكتب هذا بكثير من الألم والحسرة لأنني بالفعل أحب بلادي وأؤمن بقدرات ومواهب شبابنا الذين إذا وجدوا الاهتمام والرعاية والتعليم المناسب والتحفيز فإنهم سيتقدمون إلى الأمام, ومما يزيد في حجم المأساة هو إجبار الشركات على استيعابهم، مما يجعل الأمر صعبا على الطرفين, ولمقابلة نسب السعودة يلجأ بعض الشركات إلى تشغيل الخريجين حراس أمن.
وشاهدت عددا منهم في أحد المستشفيات يفوق عدد حراس مبنى البرلمان في لندن !!
ويجب أن تكون لدينا خطة قومية للتدريب لتأهيل شبابنا قبل استيعابهم في سوق العمل, وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تذهب إلى الطلاب في جامعاتهم لسؤالهم عن احتياجاتهم بدلا من انتقاد شركات القطاع الخاص على عدم تشغيلهم.
وعلى المسؤولين عن التعليم مواجهة أخطائهم ودراسة أفضل السبل للتحسين والتطوير, والإتيان بحلول تمكن الخريجين من دخول سوق العمل بكفاءة واقتدار لنواكب الشركات العالمية الكبرى.