"القـــادر نـــادر"
<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
يقول الله تعالى (وعلَّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
ويقول صاحب "صندوق الدنيا" في عاموده بجريدة الأهرام إصدار الأربعاء 24/5/2006 (ومن عجائب الدنيا أن المسلمين يعرفون الله ولا يعرفون آياته في الكون، بينما الحضارة الغربية تعرف أسرار المادة في الكون وتجهل الله جهلاً شائناً. ولكي يكون المسلمون على علم حق يجب أن يعلموا سنن الله في كونه، وأن يحسنوا الانتفاع بها في خدمة أنفسهم وتحصين بلادهم ونصرة دينهم. إن هناك بين المسلمين من يتصدر أن العلم هو العلم الديني وحده، وبالتالي فإن التفقه فيه مطلوب على سبيل الفرض... أما غيره من العلوم فليس مطلوبا على سبيل الفرض.. وهذا خطأ بالغ.. لأن حماية الأمة الإسلامية من استعمار بقية الأمم لها لا يتم إلا بالعلم... وإذن يمكن القول إن التفريط في العلم المادي هو خطيئة دينية لا تقل عن التفريط في العلم الإلهي. إن العلم هو أول العبادات وثمراته هي التي تحقق خير الدنيا والآخرة، وإهماله تفريط في حقوق الشعب).
التوجه لتوفير النمطين مقبول شريطة وفرة حرية منطق دعم العقول والقلوب لكل منها بعيداً عن الآخر وتحقيقاً للحاجة دولياً، وتخصص الآليات لمتابعة توفيرها والأموال لدعمها. التفاوت في مستويات العلم المادي المدني محلياً يجعلها متخلفة كثيراً عما هي عليه في كثير من اقتصاديات الدول التي نتعامل معها، ونتسابق على اكتساب حصة طيبة من الأسواق المتوافرة عالمياً خاصة بعد زيادة التزامات دخول المملكة السوق العالمية. الاهتمام بالعلم من أجل توفيره كانت السمة الغالبة للنصف الثاني من القرن العشرين، وأعطت ثمارها وأخرجت رجالاً ونساء تفخر بهم البلاد، حيث كثرت المدارس وتعمَّمت للبنين والبنات، وافتتحت الجامعات وزاد الاهتمام بالابتعاث إقليميا ودولياً، وحققت البلاد وفرة جيدة في التقدم العلمي مقارنة بسابق الزمان، غير أنها للحق تركت فجوة سالبة لكثير مع دول العالم. كثيرون يرون أن التوجهات القائمة لتطوير التعليم في مجالاته المختلفة للبنين والبنات لا يُرضي طموح الشباب ولا يوفر لهم الميزة التزاحمية لتوفير احتياجات العدد والعتاد المطلوب، محلياً وإقليمياً ودولياً، ولا يوفر قدرة التفوق على أقرانهم في دول صديقة في التزاحم لكسب أسواق العالم.
الجهات العلمية كثيرة وتحمل بعضها أسماء رنانة ومتعددة التوجهات وتبدو للمتابع العادي كأنها تسير في طريقها بمستويات مختلفة وكلفة متباينة وفقا ًبدياتها ولهديها ومخططاتها، وربما في عراك مع بعضها ومن داخلها، دون ظهور مشاركة ولا تفاعل مع الأفكار العلمية المتداولة مجتمعياً، والتحديات عالمياً، مما يزيد القلق لكثير من المستويات المجتمعية المحلية. القناعة أن مخرجات التعليم المدني لا تتماشى مع الثقافة العامة المطلوبة والاحتياجات للعمالة البشرية، وخوف أصحاب المصالح نقص الاحتياجات البشرية الوطنية المؤهلة لعدم توفير بديل النقص لعمالة أجنبية فنية مؤهلة ولزيادة الطلب والمزاحمة عليها عالمياً لاقتصاديات خارجية متنامية كثيرة مثل الهند والفلبين، وللقيود الرسمية المفروضة محلياً، صيانة للاستقرار والأمن الاقتصادي وتوٌجهاتنا الرافضة لإشراك الأجنبي في القرار التنفيذي والمالي. المشكلة الكبرى التي يواجهها الاقتصاد الوطني السعودي ليست محصورة في النظرة المقيِّدة للعلم الإنتاجي المدني الحديث، بل تمتد في أن التطور العلمي الذي وصلت إليه دول العالم الزميلة للاقتصاد السعودي يتطلب منا "نفضه" علمية لواقعنا واحتياجاتنا، تجنباً لهدر الأموال من عدم توفر الحس الاقتصادي الاجتماعي للمواطن صاحب القرار. المعلومات المتوافرة في الصحف المحلية والأفكار المجتهدة المتداولة مجتمعياً توفر قناعة أن المسالك والأوليات من الجهات المسؤولة عن قيام العلم وتوفره يمكن أن تكون أفضل لتعطي نتائج أحسن، شريطة أن تكون الأسس المتبعة معروفة ومُقرَّة وتتماشى على ما عليه خلافنا من البشر، أكثر من قربها إلى بداية المسيرة التعليمية والجامعية منذ نصف قرن مضى.
التعليم ركن مهم من أركان قيام تنمية اقتصادية اجتماعية موفقة النجاح وتتناسب مع الالتزام للعضوية رقم 149 في منظمة التجارة العالمية. نجاح توفير المتطلبات يتوقف على العلم، وبدونه يواجه الاقتصاد مخاطر فشل مشاريع التنمية المخططة، واحتمال استمرار أضرار جسيمة من "تنوُّع" لمفاجآت مشاريع النمو الضخمة تماشياً مع زيادة هبة الدخل الريعي القصير الأجل في عمر الدُول، ومجريات الأمور من حولنا. النقاش جماهيرياً يتوسع ويتزايد حول إصلاحها وتقدُّمها ليكون العلم على أسس أكثر علمية، سلسلة ومتسلسلة، لتصبح أكثر موضوعية، والمخرجات جيدة وتوفر عقول ونيات طموحة قادرة، لتستطيع أن ترى الأمور على حقيقتها وتوفر القدرة على التفاهم والتفكير والقرار السليم.
أماكن العلم قبل المرحلة الجامعية تحتاج إلى نظرة جادة مستعجلة ومُلزمة، تتماشى مع تحسين المناهج وأساليب التعليم واحتياجاته للعصر الذي يوفر للاقتصاد الوطني السعودي المال والمعرفة، مُؤازراً جيل المستقبل وعصر استيعاب المعرفة والتقنية والخبرة وتطويرها ويتأقلم مع الأفكار السائدة عالمياً وقريباً للقرية الصغيرة من العالم الكبير. الوصل والاتصال مع الفكر العالمي لا يوفره ابتعاث عدد محدود من الطلاب لتشكيلة واسعة من البلاد الغربية المتصارعة الحضارات، المختلفة المستويات، بقدر قناعتنا أهمية تسليح جيل المستقبل من النساء والرجال بمتطلبات العلم على تمام الأسس العلمية الصحيحة، ليتزاحموا مع الخبرات الأجنبية في الداخل والخارج.
الفكر السائد الذي نحن عليه عن العالم مخالف لما هم عليه، والفرق في التقدم قد يزيد عن عدد السنين بين التقويمين الهجري والميلادي. ليس مهما فرق التقويمين. المهم تطوير العقلية المحلية عالمياً. تلاقياً لفكر الغير وتحصيناً للوطن وسلامته. المسكنات السائدة للمستويات المختلفة محلياً، عن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، يفيده العلم السليم الصحيح عند قيامه في معاهد مقامة بأسس علمية عالمية ومناهج تطويره، وأماكن علمية مناسبة للعصر ومتطلبات التعليم المقررة لتخريج أجيال المستقبل، بمستويات ودرجات تحسن الميزة التزاحمية للاقتصاد الوطني السعودي داخلياً وخارجياً. الاقتصاد الوطني السعودي مع زيادة هبة الدخل مؤهل الريعي لتحقيق تصاعد في فرص تنميته وتوسع نموه وتزايد تراكمات ثرواته. بناء مؤسسات الاقتصاد الوطني الإنتاجية للأجيال تزاحماً مع الدول الأعضاء في نادي التجارة العالمية يحتاج إلى نقلة نوعية علمية حديثة الفكر، صحيحة التأسيس، عودها متين بالعلم والمعرفة في المجالات التطبيقية والنظرية بما يتناسب مع الاحتياج المحلي وتتقارع من المتوفرات العلمية عالمياً، تقام على أياد شابة في العمق العلمي والإجهاد الفكري، تساندها خبرات الأقدمين, الاثنان مهمان لتحقيق التقدم العلمي المنتظر، لأنه مطلب أساسي لنجاح برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية والتي من دونه لن نراها في المنتظر القريب، وقدوة صالحة لباقي النشاطات.
تقول الكاتبة رقية الشبيب (القضية ليست محاكمة، بل مناقشة هذا الفكر. الأمة الإسلامية بصفة عامة إلى علماء شباب يواكب فكرهم هذه المتغيرات ويستوعبها ثم يجتهد. إن تفعيل دور الشباب ضرورة، فالشباب هم مفتاح المستقبل). ويدلو بدلوه صاحب عامود "بالمختصر المثير" في "الحياة" إصدار 19/5/2006 (لنأخذ هذه العناوين: "سعودي يشارك في كتابة فصل كامل في كتاب جراحي عالمي"، "سعودية تحصل على جائزة في الفيزياء".. أوردُ هذه الأمثلة لا لأنقد "الجامعة" أو غيرها من الأجهزة المسؤولة عن رعاية الإبداع والمبدعين في المملكة، فالأمل يكاد "يفقد" فيهم... أنا أوردهم، لأن حقوقهم كـ "نماذج مشرِّفة" مهدرة في زمن النماذج المقرفة كالقدم الذهبية والخصر الماس).
استمرار فكر (قديمك نديمك)، واعتبار جيل الشباب غير مؤهل لمؤازرة الأقدمين في دعم المسيرة العلمية خاطئ. تهميش أفكارهم التقدمية ومعرفتهم بالعلوم الحديثة وأساليب تطويع التقنية والخبرة والمعرفة ضياع لثروة يستفيد منها غيرنا في مزاحمتهم لنا، ونتركها تتبخر في الفضاء من حولنا. الأجيال الشابة بدائل مضافة إلى القديم العلمي والثقافة العامة من الإنترنت لدرجة توفر تقارباً كبير لفكرهم وأحكامهم للغير من الشرق والغرب في القرية الصغيرة من العالم الكبير. جميعاً يستخدمون حول العالم أحدث المساندات العلمية العملية من الكمبيوتر والهاتف الجوال والإنترنت، ويتقاسمون المعارف والمعلومات نفسها المتوافرة عالمياً. إن تقارب السن لشباب العالم يذيب فوارق الجنس واللون والعادات، ويوفر تقارب كبيرا بينهم أكثر مما هو متوفر لهم في ديارهم. الفرقة التي يعيشها الشباب من الكبار، والهجر الذي يحسون به، والنقاش لتوفير احتياجاتهم للتسلية وتنمية القدرات والمعلومات واحتضانهم للمشاركة في بناء الاقتصاد الوطني يوسع من المشاكل الاجتماعية والنفسية.
يقول الكاتب المصري مصطفى الفقي: (ترتبط حيوية الإصلاح بمنظور تاريخي يؤمن بضرورة التقدم والاتجاه نحو الأفضل بدليل أن الحياة تزداد سهولة مع حركة الزمن، ولا يمكن أبداً إيقاف عجلة التاريخ انحيازاً لجيل معيَّن أو محاباة لجيل آخر، والكل يدرك أن كل جيل أفضل من سابقه والاعتراف بهذه الحقيقة يؤكد في الوقت ذاته الدور البنَّاء الذي يقوم به الجيل السابق للجيل اللاحق، فالأفضل يرجع للجيل الذي ربَّى وبَنَى وليس فقط الجيل الذي حصد وجنى).
التقدم الاقتصادي الاجتماعي للاقتصاد الوطني السعودي يرتبط ارتباطا مباشرا بالأموال الموجهة للاستثمار لقواعد التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي تمتد جذورها لتوفير مجالات حرة لفرص اكتساب علم الكون الحديث بمستويات توفر القدرة لمحاكاة اقتصاديات متقدمة بعد أن كانت متخلفة عنا، وتنتمي للعالم الثالث وسبقتنا لتلحق بالدول الصناعية الغربية مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية. الإحصاءات الاقتصادية الرسمية للاقتصاد السعودي الوطني المرتبط باقتصاديات أمهات المدن المرتكزة على هبة الدخل القومي البترولي توضِّح الفوائض المالية الهائلة المتوافرة والتكاثر المتوافر في "جيوب" مختارة لنشاطات الاقتصاد الوطني مؤشرة لفرص التنمية المستدامة في تسخير علم الكون الحديث لامتصاص السيولة الضائعة بين أسواق المال والخضار والأراضي الصحراوية الفاقدة لخدمات المعيشة الحديثة بأسعار فلكية، تجعلها وأداً لمدخرات نقدية بدلاً من توظيفها إنتاجيا في مسيرة تنمية تساعد الموسر زيادة تحسين أحواله والاهتمام بجدارة مخلصة لتحويل الفقر إلى حاضنات علم ومعرفة وارتفاع العمالة الوطنية والتوظيف في أسواق حرة لنشاطات اقتصادية متكاملة.
يقول الكاتب أحمد بهجت (إن العلم هو أول العبادات، وثمراته هي التي تحقق خير الدنيا والآخرة، وإهماله تفريط في حقوق الشعوب)، مضيفاً (أن العلم وحده لا يكفي لتقدم الأمة... ولابد من الحرية، وبغيرها لا أمل في التنمية والتقدم). والله أعلم.