هل خطوطنا السعودية جاهزة للتخصيص؟

توجهت الحكومة السعودية إلى خيار الخصخصة كخيار استراتيجي وأعلنت عن نيتها تخصيص أكثر من 20 مؤسسة حكومية خلال السنوات القادمة وكان أول الغيث تخصيص الاتصالات السعودية، وعملية الخصخصة ليست موضة نركبها اليوم و نتركها غداً لأن ما يترتب عليها من التزامات وتغييرات تترك أثرها على المؤسسة مما لا يمكن التراجع عنه وغالباً ما تتم خصخصة مؤسسة حكومية لسبب أو أكثر مما يلي: توفير الأموال لخزانة الدولة، تخفيف الأعباء الإدارية عن المؤسسات الحكومية، تحسين الأداء بإسناد الملكية والإدارة للقطاع الخاص، والخصخصة ليست قرارا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا وإنما هي ذلك كله وأكثر، فالخطوط السعودية على سبيل المثال بسيطرتها على سوق الطيران في المملكة تكاد تؤثر سلباً وإيجابا في كل مواطن بل إنها في بعض الأحيان تزيد الطلب على الأطباء بزيادة الضغط والسكري لمراجعيها ومستخدميها فهي بالتالي تؤثر في القطاع الصحي أيضاً.
وقد كثر الحديث عن تخصيص الخطوط السعودية، خاصة بعد تعيين الأستاذ خالد الملحم مديراً عاما لها، حيث اتخذ قرار التخصيص قبل ما يقارب سنتين، واللافت للنظر أنه منذ ذلك التاريخ بدأت نتائج الخطوط المعلنة تتحسن من الخسارة للتعادل وأخيراً أعلنت عن تحقيق أول أرباح في تاريخها.
عندما نتحدث عن الخطوط السعودية نتحدث عن واحد منا، عرفناه صغاراً وعانينا منه كباراً وتعاملنا معه ونحتاج إليه كل وقت، لذلك سنجد عند كل مواطن سعودي قصة حول معاناته وتجربته مع خطوطنا الحبيبة منها ما تنشره مجلة أهلاً وسهلاً من رسائل المديح والشكر والثناء، ومنها غير ذلك، ولكن عندما نتحدث عن جاهزية الخطوط للتخصيص فسيتغير الحديث لأن الأمانة تقتضي أن يتم تحويل ملكية المؤسسات الناجحة المجدية اقتصاديا للقطاع الخاص وخاصة أن من سيكتتب في هذه الشركة العملاقة هم من المواطنين المساكين الذين لا يحللون ولا يقرأون عند أي اكتتاب أو طرح فكيف إذا كانت هذه الشركة حكومية برعاية حكومية وترويج حكومي، ولست أصف الخطوط بعدم الجدوى الاقتصادية، فبالرغم من أنني لم اطلع على دراسة الجدوى الاقتصادية للشركة، ولكن نظرياً يفترض جدوى الشركة كمشروع اقتصادي لأسباب أهمها: الاحتكار للنقل الداخلي، الرعاية الحكومية، السوق الكبير المتزايد للنقل الداخلي، الأرباح المتزايدة للخطوط الأخرى في المنطقة مثل طيران الإمارات والخطوط القطرية والتي تعمل في النقل الدولي في نفس السوق وبحجم أصغر بكثير.
لكن ملاحظتي التي أسوقها للمسئولين وعلى رأسهم مديرها الجديد والذي أتمنى له كل توفيق في مهمته المستحيلة أن الخطوط لم تجهز بعد ولن تجهز بين ليلة وضحاها، وتحتاج لجاهزيتها إلى عملية بل عمليات تصليح وتجميل واستئصال للتورمات المصابة بها سواء كانت حميدة أو خبيثة، إضافة إلى حاجتها الماسة إلى علاج نفسي وجسدي ومالي وتنظيمي . . إلخ قبل التفكير في طرحها للاكتتاب.
من أبرز التحديات التي تواجه الشركة وتحتاج إلى إصلاح عاجل ثقافة العمل داخل الخطوط، فبالرغم من أنها مؤسسة لا تخضع للنظام الحكومي، إلا أن غالبية موظفيها يعملون وكأنهم مغصوبون على العمل ويظهر ذلك في التكشيرة ومستوى الخدمة والاهتمام بالعميل وجودة الأداء بالرغم من اعتزازهم بخدمتنا على الدوام. ثانياً الفساد الإداري الذي ترزح تحته الخطوط ونسمع عنه كثيراً ونشاهده عياناً بياناً خاصة في الحجز والإركاب، ثالثا تطوير أسطول السعودية بشراء طائرات حديثة يمكنها المنافسة خاصة على الخطوط الدولية مع رجائي الخاص ألا تكون من البرازيل، رابعاً خدمات الصيانة فمعظم مقاعد الدرجة الأولى والأفق (بناء على تجربتي الشخصية) بها خلل في أجهزتها الكهربائية، خامسا آليات التسويق للخطوط حتى يمكنها منافسة اللاعبين الجدد في المنطقة، سادساً خدمات الصالات ابتداء من قص بطاقات صعود الطائرة والازدحام عند قص التذاكر وآليات ركاب الانتظار ثم الضيافة والإقامة لركاب الترانزيت والرحلات المتأخرة بالرغم من قلتها !! سابعاً خدمات الفرسان وركاب الدرجة الأولى والذين لا يحصلون على الاهتمام المناسب من الخطوط مقارنة بالخطوط الأخرى، خاصة عند قص بطاقات الصعود أو عند الدخول إلى الجوازات أو حتى في الصالات التعيسة المخصصة لهم والتي تزخر بها مطاراتنا الداخلية أو استئجارهم أرخص الصالات في المطارات العالمية ناهيك عن الخدمات المميزة المقدمة لهم فيما يخص العفش، ثامناً انتشار فروع الخطوط داخل المدن وخاصة المدن الرئيسية فمدينة الرياض مثلاً تحتاج إلى أكثر من خمسة مكاتب رئيسية للخطوط موزعة على أنحاء المدينة بدلاً من فرعها الوحيد في المروج وفرعها المخصص لحي السفارات، تاسعا نشر مكائن إصدار بطاقات صعود الطائرة داخل المدن في الدوائر الحكومية والأسواق والشوارع الرئيسية، وهذا مما يخفض الازدحام في مكاتب الخطوط ويقلل من الازدحام في صالات المطارات، عاشراً: تحسين مستوى الخدمة والجودة في مكاتب السعودية في الخارج، حادي عشر تنظيم العلاقة بين الخطوط ومكاتب السياحة والخطوط وشركات الحج وأصحاب هذه الشركات والمكاتب أولى بالحديث عنها، وأخيراً العلاقة بين الخطوط وكبار الشخصيات بمن فيهم الدوائر الحكومية حيث ترزح الخطوط تحت عبء تلبية احتياجاتهم وتأخر سداد مستحقاتهم ويتأثر بها كل مستخدم لخطوطنا الغالية على جميع المستويات ويحمل باقي الركاب تكلفتهم المباشرة إضافة إلى التكاليف غير المنظورة لهم.
وفي الختام أطرح سؤالي البريء مرة أخرى . . هل خطوطنا الغالية جاهزة للتخصيص؟ تاركاً الإجابة للمسئولين والقراء والمختصين!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي