استعادة زمن الرفاهية

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

أبشروا بالخير..
كل المؤشرات والأخبار تدل على أن بلادنا ولله الحمد مقبلة على وفرة مالية غير مسبوقة تبشر بعودة حياة الرفاهية، وترتكز هذه التوقعات المؤكدة على ارتفاع أسعار النفط المصدر الأهم للدخل القومي، والتي يرى الخبراء أنها لن تشهد هبوطا مؤثرا على المدى المنظور على أقل تقدير، تدعمها قاعدة اقتصادية متنامية ومكينة تعكسها هذه المشاريع الاقتصادية العملاقة بشراكة اقتصادية استراتيجية مع قوى اقتصادية كبرى ممثلة بالصين والهند وغيرهما من الدول الشرق آسيوية، تديرها رؤية واعية للقيادة تمثلت في هذا التحرك على أعلى المستويات لإرساء هذه الشراكة الاقتصادية الإنتاجية وهو ما سوف يؤمن لنا، بإذن الله، متانة اقتصادية تدوم وتؤسس لجعل بلدنا، إن شاء الله، محركا فاعلا في الاقتصاد العالمي.
هذه النظرة المتفائلة بعودة حياة الرفاهية المؤسسة على معطيات عملية وليس على مجرد أحلام وآمال كالدخان الذي يطير في الهواء، هي التي تدفع بالمواطن، لأن يتساءل عن حظه من هذه الوفرة..؟ ومتى يستعيد رفاهيته المتوافقة مع بلد خير بمصادر ثروات كبرى وقيادة حريصة ومهتمة بشؤون مواطنيها..؟ وهو تساؤل يعكس انتعاش آماله بأن يستعيد حياة الرفاهية مرة أخرى بعد أن جربها أو سمع عنها في الطفرة الأولى.
كلنا نذكر الطفرة الأولى بداية من أواسط السبعينيات من القرن الماضي، بصرف النظر عن سلبياتها والتي ظهرت فيما بعد، إلا أنه كانت لها إيجابيات مهمة من أبرزها أنها وفرت للمواطنين حياة رفاهية حقيقية، والرفاهية لا تتحقق إلا بقلة التكلفة المعيشية، فكلما كانت التكلفة قليلة ارتفع مستوى المعيشة والعكس صحيح، ففي الطفرة الأولى حرصت الدولة على رفع مستوى معيشة وحياة المواطن مستفيدة من الوفرة التي جاءت بها، فعلى الجانب الحياتي اهتمت بتسهيل السكن عبر منح الأراضي وإنشاء صندوق التنمية العقاري بقروضه الفورية وهو ما مكن الغالبية من امتلاك سكن حديث ومجهز، وفتح باب الاستثمار الاقتصادي والتجاري على مصراعيه وهو ما وفر دخولا كبيرة انعكست جميعها على نوعية حياة المواطن، وعلى الجانب المعيشي قدمت الدولة خدمات رخيصة كانت في متناول الجميع كالكهرباء والهاتف والوقود ومجمل الرسوم، ودعما كبيرا لمختلف السلع الأساسية وهو ما جعل دخل المواطن يفيض على المصروفات، مما مكنه من أن يعيش فعلا حقبة رفاهية كاملة، إلا أنه ولظروف طارئة نتيجة لمشاكل إقليمية كالحرب العراقية – الإيرانية بدءا من عام 1980 ولمدة ثمانية أعوام ثم غزو العراق للكويت وما صاحب ذلك من انخفاض لسعر النفط لأسعار متدنية تناقص دخل المملكة وتأثر سلبا لتبعات هذه الأحداث، وهو ما دفع الدولة آنذاك لاتخاذ إجراءات اقتصادية لتلافي الانعكاسات السلبية المحتملة مثل رفع أسعار مختلف الخدمات وإنقاص وإلغاء الدعم عن سلع أساسية كثيرة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، مما انعكس سلبا على حياة المواطنين، حيث فقدوا كثيرا من رفاهيتهم التي تعودوا عليها، ولم يؤثر ذلك في مستوى المعيشة فقط، بل وفي نوعيتها أيضا، حيث باتت فواتير الكهرباء والهاتف والبنزين، والغاز.. إلخ، وأسعار السلع الغذائية الأساسية والرسوم المختلفة مكلفة بعد أن تجاوزت قدرات الدخل بسبب رفعها لمعدلات عالية ورفع الدعم عن كثير منها، وتقبل المواطنون كل ذلك لمعرفتهم واطلاعهم على الظروف التي أدت إلى ذلك، وثقة بوعد القيادة وقتها بأن كل هذه الإجراءات مؤقتة لمواجهة أزمة الضائقة المالية.
بالرغم من تحسن الدخل مع ارتفاع سعر النفط المطرد على مدى السنوات الماضية، إلا أن الدولة لم تستعجل وتتسرع بتعديل تكلفة أسعار الخدمات والرسوم المختلفة، وأزعم بأن هذا حرص محمود وفكر سليم حتى يمكن تأسيس أي خطوة على أرضية اقتصادية متينة من ناحية واستغلال الفرصة لتسديد أو تقليص الدين العام حتى تتحرر الدولة من عائق كبير ومؤثر من ناحية أخرى، إلا أن عدم الاستعجال طال وتحول البطء إلى تساؤلات يتداولها المواطنون وهم يسمعون ويحسبون تحسن الدخل وفوائض الموازنات العامة عن متى ينعكس ذلك على حياتهم بما يرفع عنهم المعاناة؟ ومتى تخفف عن كاهلهم كل هذه الأثقال المادية التي ترهق دخولهم التي تعتبر وبكل المقاييس من أفضل الدخول في المنطقة لولا ارتفاع تكاليف المصروفات..؟ كل هذه التساؤلات تترى في ذهن المواطن بين وقت وآخر بدافع الآمال الواثقة بأن قيادته حريصة على حياته المعيشية ملتزمة بتحقيق الرفاهية له عن طريق رفع المعاناة عنه، وقد كان.. حيث جاءت بدايات الخير حينما أصدر خادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – قراره برفع الرواتب، وها هو اليوم يصدر قرارا آخر بتخفيض تكلفة سعر البنزين، وأستطيع القول مع أهمية رفع الرواتب، إلا أن تخفيض سعر سلعة أساسية مثل وقود السيارات كان أثره أكثر إيجابية، وهو ما ترك انطباعا مريحا لدى المواطنين بأن القادم أحلى وأجمل وأسعد، وأنظارهم تشخص نحو بقية الخدمات كالكهرباء والغاز والهاتف وإعادة الدعم لبعض السلع الأساسية التي تستهلك يوميا، وبها سوف تستكمل دائرة الرفاهية المطلوبة، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال خفض تكلفة المعيشة، فالمشكلة ليست في الراتب بقدر ما هي في التكلفة المرتفعة، وخفض التكلفة أجدى من زيادة الرواتب لأنها تصب مباشرة في جيب المواطن وأكبر الأدلة الأثر الكبير لخفض سعر البنزين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي