ملكية البنوك .. هل أزف وقت مراجعتها؟

<a href="mailto:[email protected]">mohbakr@alum.mit.edu</a>

يُعد قرار مجلس الوزراء الصادر في 27/2/2006 بتأسيس مصرف الإنماء تعزيزاً للقطاع المصرفي أتى في توقيت جيد متزامناً مع الاستحقاقات المترتبة على المملكة في هذا القطاع عقب انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. إذ بجانب توسعة دائرة المنافسة في السوق والارتقاء بمستوى الأداء، سيدعم المصرف الجديد قدرات المؤسسات المالية القائمة على مواكبة النمو المتسارع في الطلب على خدماتها إثر التوسع الكبير في الاكتتابات الأولية والسوق الثانوية للأسهم، تدفق استثمارات جديدة في المشاريع الصناعية, ولاسيما تلك المرتبطة بالنفط والغاز ومشتقاتهما، وزيادة الإقبال على القروض الاستهلاكية.
تعود بداية عمل البنوك، أو المصارف إن شئتم، في المملكة إلى 80 عاماً مضت عندما فتحت الشركة التجارية الهولندية فرعاً لها في مدينة جدة عام 1926هـ لخدمة الحجيج القادمين من جزر الهند الشرقية (إندونيسيا اليوم) . وعلى الرغم من تلك السنين الطويلة التي انقضت، ظل عدد البنوك العاملة في السوق محدوداً لا يزيد على عدد أصابع اليدين إلى مطلع العام الماضي عندما انضم إليها بنك جديد انضوت تحت لوائه المؤسسات العائلية التي كانت تمتهن نشاط الصيرفة. بالطبع هناك تفسيرات وأسباب للتطور البطيء في عدد البنوك العاملة في المملكة تُعزى في مجملها إلى النمو المتواضع في حجم السوق في فترة ما قبل الطفرة، ونمط الحياة السائد في المجتمع الذي كان إلى عهد ليس ببعيد ينظر إلى التعامل مع البنوك بريبة ويعده ترفاً لا حاجة إليه فيه. ثم هناك السياسة المالية المتحفظة التي ساعدت على ضبط دخول الراغبين إلى السوق ما أدى إلى توفير فرص، ربما لن تتكرر، للبنوك القائمة لترسيخ أقدامها ببناء أرصدتها وكسب قاعدة واسعة من العملاء عبر شبكة من الفروع بلغت 1248 فرعاً في نهاية شباط (فبراير) من هذا العام . وانعكست تلك السياسة بشكل إيجابي على السوق المالية إذ أصبحت البنوك السعودية تحظى بتصنيفات ائتمانية عالية وملاءة مالية حققت منافع للمجتمع كتوفير فرص عمل للآلاف من المواطنين، تمويل مشاريع تنموية بمبالغ كبيرة لم تكن متاحة في السابق محلياً، وإدخال أساليب تقنية متطورة في خدماتها.
لكن هذا الوضع شبه الاحتكاري الذي تتمتع به البنوك قد يشكل خطورة في المدى الطويل على المجتمع ومؤسساته. وهنا لا نتحدث عن هواجس بل هناك مؤشرات تدعو إلى طرح مثل هذا التنبيه، من بينها سيطرة أعداد محدودة من الأفراد والعائلات على حصص مؤثرة من رؤوس أموال معظم تلك البنوك في بيئة تختزل معايير الشفافية إلى حد يجعل من الصعب على المساهمين أو غيرهم معرفة ما يدور في أروقتها أو معرفة الأيدي الخفية في صناعة قراراتها. وهناك تزداد المخاوف إذا عرفنا حجم الأموال التي في أيدي البنوك إذ بلغ إجمالي موجوداتها في 28/2/2006م نحو 788 مليار ريال, منها 446 مليار ريال مطلوبات من القطاع الخاص! كما بلغ رأسمالها واحتياطياتها 86.5 مليار ريال. أما اللافت للنظر أيضاً فهي الأرباح التي جنتها عام 2005, التي فاقت 25 مليار ريال بزيادة نسبتها 55 في المائة في عام واحد فقط، وهي أضعاف ما تحققه البنوك من معدلات ربحية في الأسواق المتوازنة عرضاً وطلباً.
بالطبع تخضع جميع البنوك السعودية لرقابة صارمة تمارسها مؤسسة النقد العربي السعودي وفقاً لنظام مراقبة البنوك الذي صدر عام 1966, كما أن الحكومة قد تنبهت إلى الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب في سوق القطاع المصرفي وباشرت في زيادة عدد البنوك بتأسيس مصرف الإنماء، وقبله الترخيص لبنك البلاد وعدد من فروع البنوك الأجنبية، ويبدو أن الطريق جرت. إلا أن هذه الخطى لا ينبغي أن تصرف انتباهنا عن الإصلاحات الواجبة في البنوك القائمة وعلى رأسها قضية حصص الأفراد والعائلات المؤثرة والعمل على تقليصها تدريجياً إلى حد لا تشكل فيه خطراً على هذا القطاع مهما توارثت تلك الحصص من أجيال قـد تختلف مشاربهم عن أولئك المؤسسين. بدايـة ليس من المصلحة أن تكـون هناك حصص مؤثرة لأفراد أو عائلات في أي بنك عام فما بالك ببنكين أو أكثر! وهنا نـرى دوراً لصندوق الاستثمارات العامة في مساعدة تلك المجموعات على التخلص من حصصهم الجائرة أو تلك المتضاربة ببيعها على الصندوق وفق أسعار السوق لضمها إلى محفظة الأجيال القادمة, مع ترك الخيار لأصحاب تلك الأسهم لبيعها للجمهور وفق ترتيبات يتفق عليها مع كل من المؤسسة وهيئة السوق المالية. أما الدور الآخر للهيئة في مساعدة هؤلاء على تقليص نسب ملكيتهم إلى معدلات مقبولة قد يكون بحجبهم عن المشاركة في زيادات رؤوس أموال تلك البنوك ومن ثم إفساح المجال أمام المواطنين للحصول على أعداد مجزية من أسهم تلك الاكتتابات.
ولكن قبل هذا وذاك، لا بد من إلزام البنوك بالتقيد بمعايير الإفصاح المتعارف عليها عالمياً في هذا القطاع لمساعدة المستثمرين والمتعاملين الآخرين على اتخاذ قراراتهم بثقة واطمئنان. إذ لا بد للجمهور أن يعرف كبار مساهمي البنك وحصصهم وما قد يجري عليها من تغيير خلال العام، الأسهم التي يملكها أعضاء مجلس الإدارة والصفقات التي أتموها، الرواتب والمميزات التي يتقاضاها كل فرد من أفراد الإدارة العليا بعينه من رئيس ونواب إلى آخره، وغير ذلك من بيانات أخرى كثيرة يجدها المرء متاحة للملأ في أسواق المال الناضجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي