رؤى الإسلاميين للعولمة.. (2) الجماعة الإسلامية والقاعدة
تناولنا في المقال السابق بعض تفاصيل رؤية جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى قضية العولمة باعتبارها النموذج الأبرز للحركات السياسية ـ الاجتماعية ذات البرنامج الإسلامي. ونتعرض هنا لرؤى النوعين الآخرين من تلك الحركات للقضية نفسها، وهما الحركات الإسلامية الجهادية المحلية، والحركات الإسلامية الجهادية الدولية.
فأما النوع الأول من الحركات فإن الجماعة التي تمثله هي الجماعة الإسلامية الصادرة قبل تحولها من جماعة دينية جهادية عنيفة إلى جماعة سياسية ـ اجتماعية سلمية ذات برنامج إسلامي، فإن وثائقها وكتبها تكاد تخلو من تعريفات مباشرة للعولمة، فهي تضع تعريفات غير مباشرة لها تركز جميعها على اعتبار "النظام الدولي القائم" بقيادة الولايات المتحدة بمنزلة العدو الرئيس للعالم الإسلامي, خاصة في تحالفها مع الدولة العبرية. وفي مرحلتها الجديدة وبعد تحولها وفي أحد كتبها وهو "استراتيجية وتفجيرات القاعدة: الأخطاء والأخطار" الصادر في كانون الثاني (يناير) 2004 تضع الجماعة الإسلامية بقلم قياداتها الثمانية الكبار تعريفها المحدد للعولمة. والعولمة في هذه الوثيقة المهمة "تعني تعميم نظم وقيم معينة تؤدي إلى قيام نظام يسمح بالتدفق الحر للسلع والخدمات والاتصالات والأفكار بغير ودون قيود، وبما يخدم ترويج قيم الحضارة الغربية ويحقق المصالح الأمريكية والغربية، بل إن البعض يذهب إلى اعتبار العولمة استعمارا جديدا يليق بمفاهيم القرن الحادي والعشرين وأساليبه". وتعتقد الجماعة أن مفهوم العولمة في حقيقته يعني "الأمركة" إذا جاز التعبير، وإن كان قد جرى تسويقه بصورة جذابة على أساس أنها تعني وجود نظام تشارك جميع دول العالم في إنشائه، يتركز على حرية تداول السلع عبر السوق المفتوحة "العولمة الاقتصادية"، وحرية تداول الأفكار والمعلومات "العولمة الإعلامية والمعلوماتية"، وتعميم النظام الديمقراطي ومفاهيم حقوق الإنسان وتحرير المرأة وحقوق الأقليات.. إلخ.
وتبدو حالة تنظيم قاعدة الجهاد نموذجا أمثل للحركات الإسلامية الجهادية الدولية. الجهاد المصرية الخارجية في نظرتها إلى العولمة واضحة في مذكرات الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري "فرسان تحت راية النبي" التي نشرت في بداية عام 2002. فالظواهري يرى طوال الوقت أنه وجماعته وحلفاءه يخوضون معركة مستمرة على الصعيد العالمي, حيث تتسم المرحلة الحالية، التي هي العولمة، حسب تعبيره بأنها "عالمية المعركة، بعد أن توحدت قوى الكفر ضد فئات المجاهدين". ونظراً لذلك فالظواهري يعتقد "أن المعركة اليوم لا يمكن أن تخاض إقليمية دون النظر إلى العداء العالمي". ويستطرد نائب زعيم تنظيم القاعدة في مواضع أخرى من كتابه في وصف ملامح تلك العولمة كما يراها حيث يرى أن "القوى الغربية المعادية للإسلام حددت عدوها بوضوح وهو ما تسميه الأصولية الإسلامية ودخل معها في هذا الحلف عدوتهم القديمة روسيا، واتخذوا عدة أدوات لمحاربة الإسلام منها:
(1) الأمم المتحدة.
(2) الحكام الموالون والحاكمون لشعوب المسلمين.
(3) الشركات متعددة الجنسيات.
(4) أنظمة الاتصال الدولية وتبادل المعلومات.
(5) وكالات الأنباء العالمية وقنوات الإعلام الفضائية.
(6) منظمات الإغاثة الدولية التي تستخدم ستاراً للجاسوسية والتبشير وتدبير الانقلابات ونقل الأسلحة".
وعلى الجانب الآخر يرى الظواهري أن هناك "حلفا أصوليا يتشكل من حركات الجهاد في بلاد الإسلام المختلفة والدولتين اللتين حررتا باسم الجهاد في سبيل الله (أفغانستان والشيشان). وإذا كان هذا الحلف ما زال في بواكيره الأولى وإرهاصاته البادئة فإن تناميه يتزايد بتسارع ويتضاعف باطراد. وخطورة هذا الحلف أوضح من أن تشرح، وأثره أخطر من أن يوضح، وخوف الغرب منه مسيطر على تفكيره ومستفز لأعصابه ومقلق لمراصده. فهو قوة تنمو وتتجمع تحت راية الجهاد في سبيل الله خارج قانون النظام العالمي الجديد، متحررة من العبودية لإمبراطورية الغرب المسيطرة، ومنذرة للحملة الصليبية الجديدة عن ديار الإسلام بالويل والثبور، ومتحفزة للانتقام من رؤوس التجمع الكفري العالمي، أمريكا وروسيا وإسرائيل".
من هنا فالظواهري لا يرى من حل لمواجهة تلك العولمة حسب تعريفه سوى "الجهاد" الذي يجب ألا ينظر إليه على أنه صراع داخلي أو إقليمي فقط فهو يجب أن يمتد أيضاً إلى الصعيد العالمي، حيث إن " التحالف الصليبي ـ اليهودي بزعامة أمريكا لن يسمح لأي قوة مسلمة بالوصول للحكم في أي من بلاد المسلمين، وإنه سيحشد كل طاقاته لضربها وإزالتها من الحكم إن تمكنت من الوصول، وإنه تحقيقا لذلك سيفتح عليها ميدانا للمعركة يشمل العالم كله".
في ظل ما سبق تبدو الاختلافات بين رؤى الحركات الإسلامية الثلاث للعولمة مرتبطة بطبيعة كل منها والظروف الخاصة التي تمر بها كل منها. فمن ناحية يبدو واضحاً أن تعريف الإخوان المسلمين للعولمة يشمل أبعاداً عديدة لها وليس فقط البعد الأمني العسكري الذي يبدو أيضاً واضحاً أنه الأبرز في العولمة بالنسبة إلى تنظيم قاعدة الجهاد. ويبدو ذلك الاختلاف منطقياً في ظل طبيعة كل من الحركتين السابق الإشارة إليها، حيث يبرز تنظيم القاعدة كجماعة جهادية عسكرية عنيفة ذات خبرة في ذلك المجال وحده تقريباً بينما ظلت جماعة الإخوان المسلمين لثلاثة أرباع القرن كجماعة سياسية ـ اجتماعية ذات خبرات مختلفة في ميادين متعددة وعضوية منتمية لشرائح مختلفة من النخبة. كذلك فمن الملاحظ أن الإخوان المسلمين والقاعدة قد وضعوا إسرائيل في تحالف واحد مع الولايات المتحدة يسعى بصورة منسقة لتحقيق أهداف العولمة المناسبة للطرفين، بينما اقتصرت الجماعة الإسلامية على وضع الولايات المتحدة وحدها في ذلك المكان. وربما يعود ذلك إلى طبيعة المرحلة التي تمر بها حالياً الحركات الثلاث، حيث تبدو جماعتا الإخوان والقاعدة مستقرتان على طبيعتهما السابقة نفسها, الأمر الذي يتسق معه وضع إسرائيل في ذلك التحالف العولمي لأن تلك هي نظرتهما المستمرة للعلاقة بين الدولة العبرية والولايات المتحدة. أما الجماعة الإسلامية التي تمر حالياً بمرحلة تحول من جماعة جهادية دينية عنيفة إلى جماعة سياسية ـ اجتماعية إسلامية سلمية، فهي لا تزال في طور إعادة صياغة المفاهيم والتصورات حول عدد من الظواهر المحلية والإقليمية والدولية ومنها العولمة والدول المتحالفة على رأسها، وذلك على الرغم من الرفض الواضح والقاطع من الجماعة للدولة العبرية وممارساتها العدوانية. أخيراً ينفرد تنظيم القاعدة بين الحركات الثلاث بوضع روسيا في الحلف الساعي لفرض العولمة على العالم, خاصة العالم الإسلامي، ولا شك أن ذلك يعود أيضاً إلى خبرات التنظيم والحركات الجهادية الدولية عموماً في الحرب ضد الحكومة الروسية في مناطق الشيشان, الذي يرى التنظيم أنها واحدة من ميادين الجهاد ضد تلك العولمة.