الثقة المفقودة بين القطاعين الحكومي والخاص

في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لتخصيص بعض القطاعات الحكومية وفي الوقت الذي تكثر فيه الدراسات وتتعدد بخصوص زيادة فتح قنوات الاتصال بين القطاعين, أظهرت دراسة بحثية بعنوان "العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص وسبل تطويرها" تم تقديمها في منتدى الرياض الاقتصادي, الذي عقد أخيرا في مدينة الرياض, أن هذه العلاقة ضعيفة وليست قوية لأن الظروف المحيطة بها لا تسهم في تطويرها بل في زيادة اتساع الفجوة بين القطاعين.
ومع أن هناك العديد من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في إطار تقليص مشاركتها ضمن الأنشطة الإنتاجية وعلى الرغم من تكتل العمالة الذي يصل إلى سبعة ملايين عامل مما يمثل نحو 89 في المائة من إجمالي العمالة وتنامي السيولة المالية في القطاع الخاص، إضافة إلى آثار انضمام المملكة أخيرا إلى منظمة التجارة العالمية فإن نتائج الاستبيان الذي أظهرته الدراسة أن نسبة 50 في المائة من الإجراءات والأحكام القضائية تمثل مشكلة لأعمالهم، في حين أكد 80 في المائة من أصحاب الأعمال أن الجرائم والسرقة زادت التكاليف الإداري، وأظهرت الدراسة أن نسبة 77 في المائة من أصحاب الأعمال يضطرون إلى تجاوز النظام لإنجاز معاملاتهم.
وبالتالي فإن رجال الأعمال أصبحوا يركزون على تجاوز المهام الإدارية لأعمالهم على حساب التخطيط الاستراتيجي وتعد معاناة النساء في هذا الأمر مضاعفة لعدم وجود جهات متخصصة نسائية لهذا الأمر ولوجود الوكيل أو المعقب.
كما أظهرت الدراسة أن 49 في المائة من المسؤولين الحكوميين يرون أن العلاقة بين القطاعين ضعيفة, ونسبة 96 في المائة منهم يرى أن القطاع الخاص غير ممثل بشكل كاف في اللجان الحكومية لاتخاذ القرارات الاقتصادية ويؤكد 48 في المائة من المسؤولين الحكوميين أن الثقة مفقودة ما بين القطاعين, ويرى 53 في المائة منهم أن القطاع الخاص مقصر في مشاركته, وفي استبيان حول أداء القطاع الخاص أظهرت النتائج أن 76 في المائة يوافق على أن القطاع الخاص شريك في تفشي الرشوة وأن 70 في المائة لا يستثمر في تدريب الموظفين, وأن 80 في المائة لا يسعى نحو تدريب وتأهيل الشباب, كما أظهرت الدراسة أن فعالية الأجهزة الحكومية مثلت 55 في المائة فقط.
وفي التوجيهات التي قدمت لتطوير العلاقة أكدت الدراسة أهمية الاستفادة من التجارب الدولية في التخصيص وضرورة الإسراع فيها وتفريغ جهات مختصة لتطبيقها وضرورة مشاركة القطاع الخاص في التمثيل ضمن لجان اتخاذ القرارات وضرورة الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص إلى أبعد مستوى.
إن مثل هذه الدراسة في رأيي تعد من أهم الدراسات التي يعتمد عليها المستقبل الاقتصادي للمملكة والفجوة الموجودة بين القطاعين الحكومي والخاص فجوة تؤثر في مستقبل الاقتصاد الوطني، وعدم السعي إلى ردم هذه الهوة وتمسك كل طرف بأسس وقوانين بائدة مر عليها عشرات السنين سيبقيان الأوضاع كما هي, وعدم العمل على تنمية الثقة بين الجهتين لا يخدم أي طرف, وتبادل الاتهامات وأوجه التقصير لن يسهمان في حل المشكلة, فلا بد من مبادرة أكثر فاعلية ولا بد من تحرك أكثر سرعة ولا بد من تخصيص جهات تتولى هذا العمل فهذا وطننا ونحن أبناؤه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي