الراحمون يرحمهم الرحمن (1)
هذه قصة من قصص النبي صلى الله عليه وسلم حفظها أبو هريرة رضي الله عنه وثبتت بأصح الأسانيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن امرأة كانت عاصية بعيدة عن الله سبحانه وتعالى خرجت ذات يوم فبينما هي تسير في الطريق إذ رأت ذلك الكلب الذي اكتوى بالظمأ والعطش، رأت كلباً معذباً قد أنهكه العطش والظمأ وقد وقف على بئر من الماء لا يدري كيف يشرب، يلهث الثرى من شدة الظمأ والعطش، فلما رأته تلك المرأة العاصية أشفقت عليه ورحمته، فنزلت إلى البئر وملأت خفها من الماء ثم سقت ذلك الكلب وأطفأت ظمأه وعطشه، فنظر الله إلى رحمتها بهذا المخلوق فشكر لها معروفها فغفر ذنوبها".
بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، إنها الرحمة التي أسكنها الله القلوب، فرج بها الغموم والهموم عن كل مهموم ومنكوب، إنها الرحمة التي يرحم الله بها الرحماء، ويفتح بها أبواب البركات والخيرات من السماء، بعث بها سيد الأولين والآخرين كما قال في كتابه المبين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) هي شعار المسلمين ودثار الأخيار والصالحين وشأن الموفقين المسددين، كم فرج الله بها من هموم، كم أزال الله بها من غموم، إنها الرحمة التي إذا أسكنها الله في قلبك فتح بها أبواب الخير في وجهك، وسددك وألهمك وأرشدك وكنت من المحسنين.
الرحمة أحوج من يكون إليها أقرب الناس إليك، من هم أحوج الناس إلى رحمتك وشفقتك وإحسانك وبرك؟ أحق الناس برحمتك الوالدان: الأم والأب، ما أحوجهما إلى الرحمة، فارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما ولا تهُنهما (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) يحتاجان إلى رحمتك خاصة عند المشيب والكبر، إذا خارت قواهما وصار البياض في شعورهما، والتهبت بالأحاسيس مشاعرهما فهما عند ذلك أحوج ما يكونان إلى عطفك ورحمتك وحلمك، يحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهم بين القبور، ينتظران البعث بعد النشور، فما أحوجهما اليوم إلى دعوة صالحة منك، ترفعهما إلى الله جل جلاله أن يفسح لهما في قبريهما فقد صارا غرباء سفر لا ينتظرون، ورهناء ذنوب لا يُفكون ولا يطلقون، فارفع الأكف الصادقة إلى الله أن يرحمهما، قال: يا رسول الله هل بقي من بري لوالدي شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: (نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وصلة الأرحام التي لا توصل إلا بهما) رواه الإمام أحمد.
أحوج الناس إلى رحمتك أولادك أبناؤك وبناتك، وزوجتك، وإخوانك وأخواتك وسائر الأقربين، أحوج الناس إلى رحمتك الأبناء والبنات، عن أنس قال: (ما رأيت أحداً أشد رحمة بالعيال من رسول الله قبل الحسن أو الحسين فقال له رجل: إني لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، قال ((أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك))
ولما دعي صلوات الله وسلامه عليه وقد حضر الموت لابنه إبراهيم فاضت عيناه بالدموع، فقيل: ما هذا يا رسول الله؟ قال: ((هذه رحمة أسكنها الله في قلوب عباده)).
الأولاد يحتاجون إلى العطف والإحسان، يحتاجون منك إلى البر والحنان، فارحمهم برحمة الله جلا وعلا.
وإلى الملتقى