كيف يرى العالم الحرب الأمريكية على الإرهاب؟

تعددت خلال الشهور الأخيرة التساؤلات السياسية والإعلامية والأكاديمية حول حقيقة تأثير الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على "الإرهاب" منذ وقوع هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) 2001، على تلك الظاهرة التي بات العالم كله يشكو منها ويخصص مزيداً من الموارد المادية والبشرية لمواجهتها. وما جعل الحوار الدائر حول تلك القضية دائماً ساخناً وغير محسوم النتائج ما يكمن وراء قضيته وأطرافه من تحيزات سياسية وفكرية ورؤى متباينة بشأن السياسة الأمريكية العالمية والتوجهات والحالة الإسلامية عموماً بمختلف فصائلها وجماعاتها في مختلف مناطق العالم.
وعلى الرغم من أن معظم الإحصائيات والمعلومات المتوافرة حول عدد ونوعية ومناطق وقوع العمليات الإرهابية خلال السنوات الأربع الماضية التي استمرتها الحرب الأمريكية على "الإرهاب" تؤكد أن تلك الحرب قد فاقمت بصورة غير مسبوقة من هذه الظاهرة كمياً ونوعياً، فإن كثيراً من السياسيين والكتاب والدارسين لا يزالون ينكرون تلك النتيجة ويرون أن الحصيلة الإيجابية النهائية لتلك الحرب لم تكتمل بعد وأنها بحاجة سنوات طويلة حتى تؤتي ثمارها. في ظل هذا النوع من الإنكار يأتي استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية بالاشتراك مع جامعة ميرلاند الأمريكية ومركز جلوب سكان المتخصص في استطلاعات الرأي العام، لكي يؤكد مرة أخرى مدى الضرر الذي ألحقته الحرب الأمريكية على الإرهاب بتلك الظاهرة وإسهامها في مزيد من انتشارها واتساعها.
فقد أجري الاستطلاع على عينة مكونة من نحو 42 ألف شخص في 35 بلداً موزعة على قارات العالم كافة بما فيها دول إسلامية وعربية, ودار بصورة رئيسية حول ثلاثة أسئلة كونت الإجابات عنها الكيفية التي ينظر بها الرأي العام في تلك الدول لنتائج الحرب الأمريكية على الإرهاب وبعض مراحلها الرئيسية. ودار التساؤل الأول حول مدى تأثير الحرب الأمريكية على ظاهرة الإرهاب من حيث تزايدها أم تراجعها. وقد رأت الأغلبية في 33 دولة من بين 35 التي شملها الاستطلاع أن تلك الحرب الأمريكية قد أدت إلى زيادة احتمالات وقوع عمليات إرهابية على مستوى العالم في مختلف مناطقه. وفي الإطار نفسه وعلى مستوى آخر، فقد أكد الاستطلاع أن نحو 60 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع في تلك الدول قد رأوا أن الحرب الأمريكية على الإرهاب قد زادت من احتمالات وقوع عمليات إرهابية على مستوى العالم كله، بينما رأى 12 في المائة فقط أنها قد قللت من تلك الاحتمالات، في حين رأى 15 في المائة أنه لم يكن لتلك الحرب أي تأثير من أي نوع على احتمالات تطور العمليات الإرهابية.
ومن اللافت في تلك النتائج أن أغلبية الأمريكيين أنفسهم رأوا بنسبة 55 في المائة منهم أن الحرب التي تشنها حكومتهم منذ أربع سنوات قد زادت من احتمالات وقوع عمليات إرهابية ومن تزايد حجم ووزن الظاهرة، وهي النسبة التي وصلت إلى 83 في المائة من المستطلعين في بلد صديق للولايات المتحدة مثل مصر وإلى 80 في المائة في بلد حليف لها مثل ألمانيا.
وتركز السؤال الثاني في الاستطلاع على الاحتلال الأمريكي للعراق ووجود قوات التحالف الغربي العسكرية فيه وما إذا كان استمرار وجودها فيه سيؤدي إلى مزيد من احتمالات وقوع عمليات إرهابية على مستوى العالم؟ وما كان لافتا في الإجابة عن ذلك السؤال هو أن الأغلبية في 20 دولة من 35 التي أجري فيها الاستطلاع قد أيدوا سحب تلك القوات من العراق خلال الشهور القليلة المقبلة، بينما رأت الأغلبية في تسع دول فقط ضرورة استمرار تلك القوات في العراق، في الوقت نفسه الذي اختلفت الآراء بشأن ذلك الأمر في الدول الست الباقية. وما يبدو لافتا أكثر في ذلك السياق أن الأغلبية من المستطلعين في الولايات المتحدة نفسها قد أيدوا سحب تلك القوات خلال تلك الفترة بنسبة وصلت إلى 58 في المائة وهي النسبة نفسها التي تكررت بالموافقة في أفغانستان، بينما رأت الأغلبية في عديد من الدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الرأي نفسه وفي مقدمتها أستراليا بنسبة 57 في المائة وبريطانيا بنسبة 56 في المائة، في حين بلغت النسبة في مصر 63 في المائة من المستطلعين.
أما العراق نفسه فقد انقسم العراقيون تقريباً بنسبة متساوية 49 في المائة حول بقاء أو انسحاب تلك القوات الأجنبية من بلادهم. أما حين طرح السؤال بطريقة أخرى ووضع استمرار تلك القوات الأجنبية بناء على طلب حكومة عراقية شرعية، فقد اختلفت النتائج، حيث دعم ذلك الوضع الأغلبية في 21 بلداً مما أجري فيها الاستطلاع، بينما عارضته البقية من المستطلعين.
وبالإضافة إلى تلك المؤشرات الرئيسية المهمة فقد احتوى الاستطلاع على نتائج أخرى ذات دلالة تصب كلها في أن القول بإن الحرب الأمريكية على الإرهاب بالطريقة التي تمت بها وبخاصة احتلال العراق ومن قبله أفغانستان قد زادت من خطر واحتمالات وقوع أعمال إرهابية على مستوى العالم وفي مختلف مناطقه. لقد انتقل ذلك الحكم من مجرد رؤى وتحليلات يتبناها بعض السياسيين والمحللين والكتاب، إلى حيث أصبح اتجاهاًً قوياً تتبناه أغلبية الرأي العام على مستوى العالم كما أظهر ذلك الاستطلاع المهم الذي أشرنا إلى بعض نتائجه.
والسؤال العملي الآن يتعلق بالإدارة الأمريكية المفترض أنها منتخبة ديمقراطياً وفي بلد ديمقراطي: فهل ستأخذ عند اتخاذها قرارات وسياسات كبرى تتعلق بتلك الحرب المستمرة ضد الإرهاب منذ أكثر من أربع سنوات بآراء أغلبية المواطنين في تلك الدول الرئيسية من العالم، أم أنها ستمضي فيما بدأته من سياسات بغض النظر عن هؤلاء دافعة العالم كله إلى مزيد من الخوف والإرهاب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي