منظمة التجارة العالمية ليست بوابة من دون بواب

<a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a>

شرفني معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد مدني، بتكليفي بإعداد وتقديم برنامج اقتصادي أسبوعي في القناة الأولى، بعنوان "ملفات اقتصادية"، الذي سيركز خلال الدورة التلفزيونية الحالية، على فتح العديد من الملفات الاقتصادية المهمة التي لها علاقة وتأثير مباشر على الحراك والنهضة الاقتصادية والتنموية، التي تعيشها المملكة العربية السعودية، بالذات في ظل الانضمام الأخير للمملكة إلى منظمة التجارة العالمية WTO.
وبتوجيه من معاليه، سيركز البرنامج المذكور ببداية حلقاته، على فتح عدد من ملفات منظمة التجارة العالمية المتعددة، بالذات التي لها علاقة وتأثير مباشر بانضمام المملكة العربية السعودية إلى المنظمة، كملف القطاع الصناعي، والقطاع الزراعي، وملف حماية حقوق الملكية بشقيها الأدبي والصناعي إلى غير ذلك من الملفات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ذات العلاقة.
ويأتي هذا التوجيه من معاليه، إيماناً منه بأهمية الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، بتوعية المشاهد والمستمع والقارئ الكريم، بما يدور حوله من أحداث اقتصادية، ولا سيما بالنسبة إلى الوضع الذي تعيشه المملكة العربية السعودية، والذي يشهد منذ مطلع الألفية الجديدة، أحداث اقتصادية متتابعة ومتلاحقة واحد تلو الآخر، على جميع الأصعدة والمجالات الاقتصادية، وبالذات وكما أسلفت في ظل انضمام المملكة الأخير إلى المنظمة المذكورة، الأمر الذي بدوره تطلب أن يركز الإعلام السعودي خلال المرحلة الحالية، والقادمة، على رفع مستوى الثقافة الاقتصادية، لدى جميع أفراد المجتمع دون استثناء، بالشكل الذي يتيح للمواطن والمقيم، متابعة الأحداث الاقتصادية أولاً بأول، من المنبع والمصدر الأساسي والرئيسي لها.
تركيز البرنامج المذكور، وكما أسلفت على فتح ملفات اقتصادية لها علاقة وتأثير مباشر أو غير مباشر، على انضمام المملكة إلى المنظمة المذكورة، سيساعد وسيسهم بشكل كبير من وجهة نظري، في الرفع من الوعي المعرفي والثقافي الاقتصادي والتجاري والاستثماري لكل من المواطن والمقيم، بالذات المرتبط بالمهام الاقتصادية والتجارية، لمنظمة التجارة العالمية، كما أنه سيوضح للمشاهد الكريم أبرز المكاسب والتكاليف المترتبة عن ذلك الانضمام، ولعل الأهم من ذلك وذاك، أنه سيحاول أن يصحح العديد من المفاهيم المغلوطة عن انضمام المملكة إلى المنظمة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، بأن بوابة الاقتصاد السعودي ستفتح على مصراعيها أو كما يقولون سيترك الحبل على الغارب فيما يتعلق بتعامل الدول الأعضاء بالمنظمة مع المملكة العربية السعودية بوجه عام، ومع الاقتصاد السعودي، والتجارة المحلية بشكل خاص، دون قيد أو شرط، ولعلي أستشهد في هذا الخصوص، بحديث جانبي دار بيني وبين أحد المسؤولين في الحكومة السعودية، حول الآثار المرتبطة بانضمام المملكة إلى المنظمة، الذي أكد لي من خلاله، أن الانضمام إلى المنظمة, لا يعني بأي حال من الأحوال، أن الاقتصاد السعودي، أو غير السعودي بالنسبة إلى الدول الأعضاء، سيكون أشبه ما يكون بمنزل أو بشقة من دون باب، بحيث يمكن الدخول إليها، دون ضوابط أو قواعد أو شروط تحكم ذلك الدخول.
وحين التعمق في حديث ذلك المسؤول، حول موضوع الالتزامات والشروط المرتبطة بفتح الاقتصاد السعودي لدول المنظمة الـ 150، بما في ذلك السعودية، يتضح لنا، أن الدخول إلى الاقتصاد السعودي أو التعامل معه، ستحكمه قوانين وشروط المنظمة في المقام الأول، ولكن أيضاً ستحكمه القوانين والبروتوكولات المرتبطة بوثائق وبمذكرات التفاهم والاتفاق التي تم التوقيع عليها بين الدول الأعضاء في المنظمة، وحكومة المملكة العربية السعودية، تحت مظلة ما يعرف بالاتفاقيات الثنائية، والاتفاقيات عديدة ومتعددة الأطراف، الأمر الذي يؤكد أنه لا يمكن لأي دولة عضو في المنظمة أن تفرض دخولها إلى اقتصاد أي دولة، بمعزل عما قد تم الاتفاق عليه مسبقاً، شريطة ألا يخالف ذلك الدخول، أو يتعارض مع الأنظمة التجارية والاستثمارية والاقتصادية السائدة بالدولة العضو بالمنظمة، وبما لا يتعارض كذلك، مع الموروثات والعادات والتقاليد الاجتماعية، بما في ذلك المعتقدات الدينية.
لعلي أضرب مثلا في هذا السياق، عن الآثار المترتبة على انضمام المملكة إلى المنظمة، بالنسبة إلى قطاع التوزيع بالجملة والتجزئة، وهل أن ذلك سيؤدي إلى إلغاء الوكالات الحصرية؟ بطبيعة الحال أن فتح ذلك القطاع سيتم وفق شروط وضوابط معينة، من أهمها: (1) ألا تزيد المساهمة في رأس المال الأجنبي المستثمر على 51 في المائة فور الانضمام، و75 في المائة بعد ثلاث سنوات من الانضمام، (2) ألا يزيد عدد مراكز التوزيع على مركز واحد فقط في كل منطقة، (3) أن يكون عدد السعوديين العاملين في هذا المركز 75 في المائة من أول يوم من بدء العمل، كما أن هذه الالتزامات لن تلغي الوكالات التجارية بأي حال من الأحوال، حيث إن الوكيل يجب أن يكون سعودياً فقط، كما لا يوجد حالياً نظام في المملكة العربية السعودية، يمنع من أن يكون هناك أكثر من وكيل أو عدة وكلاء سعوديين للسلعة نفسها، حيث لا يوجد نص قانوني في النظام التجاري السعودي خاص بالوكالات الحصرية.
مما سبق يتضح لنا، أن انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية، لا يعني بالضرورة فتح اقتصادنا لكل من هب ودب، دون قيد أو شرط، لكنه بكل تأكيد، سيتم فتح الاقتصاد، وفق ضوابط تحكم ذلك الانفتاح، ولكن في الوقت نفسه يجب تأكيد أهمية احترام قوانين المنظمة، بالذات فيما يتعلق، وكما أسلفت باحترام الالتزامات المرتبطة بالاتفاقيات المختلفة، التي أبرمتها المملكة مع الدول الـ 38 الأعضاء في المنظمة، والتي تنطبق على جميع بقية الدول الأعضاء في المنظمة، وفق نظرية التعهد الشامل أو الجامع أو ما يعرف بالاتفاقيات التعددية، بمعني آخر أنه لا يمكن للمملكة أن تميز أو تفرق في تطبيق قوانينها التجارية أو الاستثمارية أو الاقتصادية، بين الدول الأعضاء بالمنظمة، وبين هذه الدول وبين الشركات والمؤسسات الوطنية، تحت مظلة مبدأ الدولة الأولى بالرعاية والمعاملة الوطنية بالمثل، طالما قد التزمت المملكة بذلك، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي