Author

مجلس الشورى وانهيار سوق الأسهم

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> خسرت سوق الأسهم السعودية ولأيام متتالية أكثر من 350 مليار ريال من قيمتها السوقية، تحمل غالبيتها صغار المستثمرين، دون أن تحوز على اهتمام أعضاء مجلس الشورى الموقرين، أو أن تجد صوتا مناصرا للمواطنين الذين دبجوا قصائد البكاء والعويل، وحبروا الصحف بمرثياتهم البكائية. فمنذ بدأت سوق الأسهم السعودية في الانحدار المفاجئ وأنا أتابع ما يصدر عن مجلس الشورى من خلال الإعلام, ممنيا نفسي أن أجد صوت المواطنين ينقل من خلال أعضائه الموقرين، فما حدث للسوق كان أشبه بالزلزال الذي هز أركان الاقتصاد وهز قلوب المواطنين الذين يفترض أن يكون مجلس الشورى الموقر مرآة لهمومهم، وصوتهم المسموع لدى الجهات الحكومية المختلفة. ذهبت أمانيَّ أدراج الرياح، وباءت جميع محاولات التبرير التي حاولت أن أوهم نفسي بها بالفشل، خصوصا بعد أن استمعت إلى تصريحات أحد أعضاء مجلس الشورى، خارج قبة المجلس، وهو يصف انهيار السوق بأنه "تصحيح سلس" ولا أعلم كيف استطاع أن ينتقي تلك الكلمة التي جردت المواطنين من أدنى حقوقهم على مجلس الشورى، وهو حق المؤازرة. بعد أن استمعت إلى تصريحات عضو مجلس الشورى، سارعت إلى تصفح مواقع الأسهم في الإنترنت، فوجدت تفاعلا غير مسبوق من المشاركين الذين تناولوا نقد تلك التصريحات بكلمات لم تخل من الحدة والعتب. نقل المواطنون جلساتهم البرلمانية إلى مواقع الإنترنت بعد أن يئسوا من إمكانية مناقشتها تحت قبة مجلس الشورى. كان المواطنون أكثر تقدما في طرحهم للقضية الشعبية الأولى التي سيطرت على المجتمع وعلى وسائل الإعلام. برغم الكارثة، إلا أنني شعرت بأجواء البرلمانات داخل مواقع الإنترنت، انتقادات حادة مغلفة بنوع من الاحترام المقبول إلى حد ما، وطرح موضوعي للهموم من وجهة نظر المواطنين، وأكثر من ذلك رسائل موجهة لبعض الجهات الحكومية وعلى رأسها هيئة السوق المالية. يمكن تسميتها ورقات عمل مليئة بالاقتراحات التي تستحق بالفعل أن تطرح في مجلس الشورى من خلال الأعضاء الموقرين. بالفعل كانت مواقع الإنترنت الاقتصادية الخاصة بالأسهم السعودية برلمانات متفرقة تعج بالأعضاء وبالجمهور أيضا، ما دفع بعض الصحف السعودية إلى نقل ما يدور في تلك البرلمانات (الإنترنتية). لم يكن مستغربا أن تخصص الصحف اليومية افتتاحياتها ولأيام متتالية للحديث عن القضية الأولى التي هزت أركان المجتمع، وتسببت في إحداث شرخ كبير في اقتصادنا الوطني. بعض رؤساء الصحف تقمصوا دور أعضاء مجلس الشورى من خلال مقالاتهم النارية التي احتلت مكانا بارزا في الصفحات الأولى. أما الزوايا، فقد امتلأت بهموم المواطنين وآلامهم، وقد لفت نظري أحد العلماء، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، عندما خصص زاويته اليومية التي يتناول من خلالها أحكام الطهارة وسماحة الدين للحديث عما جرى في سوق الأسهم وعن الانهيار الكبير. هذا هو التفاعل التلقائي الذي يربط بين الإعلام وهموم المجتمع. نجح الإعلام من حيث قصر مجلس الشورى الموقر في تناول قضية الساعة، وقضية المجتمع التي غطت على جميع القضايا المتداولة هذه الأيام. سماحة الوالد المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، تناول قضية الأسهم بتوسع، قبل الانهيار الكبير، وقدم إرشاداته ونصائحه للمتداولين في السوق، خصوصا كبار المضاربين الذين طالبهم بأن يتقوا الله في تداولاتهم وفي حرصهم على إخوانهم في السوق، وحذر من البيوع المحرمة التي بدأت في تضليل المتداولين، قدم كل ذلك من خلال خطبة الجمعة التي ألقاها سماحته أواخر شهر محرم الماضي. هو استباق للحدث وارتباط تام بالمجتمع وهمومه، تحدث سماحته بلسان العالم الناصح الذي سبق بعلمه الحدث، فنصح وحذر وتصدى للقضية الرئيسية التي أصبحت الشغل الشاغل للمواطنين والمواطنات، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء. استعراض الأحداث يثبت أن قضية الانهيار الكبير الذي أفقد الاقتصاد السعودي أكثر من 350 مليار ريال في أيام معدودة، أكبر من أن نطلق عليها كلمتي "تصحيح سلس"، بل هو تصحيح مدمر أصاب صغار المستثمرين وأسرهم في مقتل، وأدى في الوقت نفسه إلى وفاة ثلاثة من المستثمرين جراء أزمات قلبية حادة تعرضوا لها بسبب انهيار الأسعار واختفاء الطلبات من السوق. من تبعات الانهيار أيضا، تعرض أحد مديري المحافظ غير النظامية للقتل من قبل أحد عملائه الغاضبين. الانهيار الحاد للأسعار أفقد العقلاء توازنهم، قبل بسطاء الناس، وهو ما يجعلنا نطالب بتعجيل طرح ومناقشة قضايا السوق المالية تحت قبة مجلس الشورى. كنا ننتظر من مجلس الشورى توجيه الدعوة إلى معالي رئيس هيئة السوق المالية لمناقشته حول ما تعرض له السوق والمواطنون من أذى كبير، إضافة إلى دعوة المهتمين بالشؤون الاقتصادية لحضور الجلسة والاستماع، ودعوة رجال الإعلام لنقل وقائع الحدث مباشرة للنساء وللرجال ولجميع فئات المجتمع، فانهيار السوق لم يعد شأنا مرتبطا بهيئة السوق المالية كونه الهم الرئيسي للمجتمع السعودي. مناقشة مجلس الشورى للقضية الاقتصادية الأولى ذات الأبعاد الدينية، والاجتماعية والأمنية أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى خصوصا مع ظهور حالات القتل والوفيات التي أثبتت بأن التصحيح لم يكن "سلسا" بقدر ما كان سيفا قاطعا سلط على فقراء المسلمين قبل أغنيائهم.
إنشرها