الذات المنتجة

لو طلب منك أحد أبنائك مبلغاً من المال قليلاً أو كثيرا، ليلبّي بعض احتياجاته أو لقضاء بعض شؤونه، فماذا يمكن أن يكون رد فعلك؟ هل يمكن أن تقول له : مقابل ماذا؟
أعتقد أن شريحة كبيرة في المجتمع لا تسأل هذا السؤال، ولكن قد تقول، وربما بحياء، لماذا، أو لأي شيء يحتاج إلى المال. بمعنى نحن لم نعتد أن نسأل أبناءنا عماذا يمكن أن يقوموا به من عمل مقابل المال. كأننا نربيهم ونعلمهم بأن كل شيء متاح ويسهل الحصول عليه دون عناء، أو تفكير أو عمل.
إن هذا الأسلوب والطريقة في التربية يغرسان في عقول أبنائنا وقلوبهم مفهوم الاعتماد على الآخرين والتبعية وعدم احترام الذات. تلك طريقة تنمي في الفرد الشعور بعدم أهمية و العمل وقيمته، وتزرع مفهوما خاطئا ومتخلفا إزاء معنى المال. أنت هنا تستطيع أن تمتلك بعض ما تريد مجانا وبلا مقابل ودون تعب وعمل. إن هذا المفهوم قد يرادف مفهوم "الشرهة" الذي يعني الاعتماد على دخل دائم أو موقوت أو مساعدة مادية من غير بذل جهد وعمل مقابل ذلك.
وحين تسيطر هذه الثقافة المتخلفة فإنها قد تجر المجتمع إلى مواقف ضعيفة: من عدم الثقة بالنفس إلى الشعور بالدونية والحاجة الدائمة إلى المساعدة والرعاية، يتحول الفرد هنا إلى كائن معوق وهامشي وسلبي.
علينا أن نغير طريقة علاقاتنا بأبنائنا ونربيهم على احترام الذات والاعتماد على أنفسهم خاصة حين يكبرون ويصبحون قادرين على القيام بعمل نافع ومنتج ومفيد لهم وللمجتمع. الشعور بالمسؤولية والاستقلال إحدى أهم سمات الشخصية السوية المنتجة والفاعلة، الإحساس بالنفع والقدرة على الإنتاج حين يُكتسب منذ الصغر سوف يخلق فردا يعي ماذا تعني كلمات مثل: العمل والالتزام والشراكة.
الحياة المعاصرة أصبحت معقدة وتنطوي على متطلبات كثيرة وغالية، وربما يضيع الإنسان الذي يجهل أهمية الفرق بين أن يحصل على ما يريد ويرغب فيه بمقابل ودون مقابل. وقد يمكن أن نبحث بين شخصيات بعض العاطلين عن العمل أو الفاشلين فلربما نجد في شخصياتهم وتربيتهم عدم الاهتمام بقيمة النجاح والعمل والاعتماد على الذات يتحمل البيت إلى جانب المدرسة مسؤولية جسيمة في تنشئة الصغار على الاعتزاز بالعمل والإنتاج مهما كان بسيطا أو صغيرا داخل المجتمع الصغير في الأسرة أو الصف الدراسي أو داخل المجتمع الكبير في الشارع والحي. بعضنا يكافئ أبناءه وبناته مكافأة عظيمة حين يحقق الواحد منهم إنجازا طبيعيا، من المفترض والواجب عليهم تحقيقه وإنجازه، ولكننا نمنحهم أموالا عندما يطلبونها دون أن نسألهم مقابل ذلك عملاً أو إنجازاً معيناً. نحن فقط نعطي ولا نأخذ.
ما المانع أن تطلب من ابنك القيام بعمل ما داخل البيت مقابل المال الذي يطلبه؟ كأن يقوم بطلاء جدران غرفته أو ينظف السيارة أو يرتب كتب المكتبة. العمل والإنتاج واحترام الذات تساوي مجتمعاً قوياً وسليماً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي