المشكلة في النفط المستورد لا نفط الشرق الأوسط

لا يحتاج الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الانتظار إلى عام 2025 لكي يحقق استراتيجيته الطموحة الهادفة إلى خفض اعتماد بلاده على نفط الشرق الأوسط بنسبة 75 في المائة، فباستطاعته تحقيق ذلك خلال أشهر إن كان لذلك أي معنى أو أهمية بالنسبة للولايات المتحدة وأمن إمداداتها النفطية، باعتبار أن نحو 20 في المائة فقط من واردات الولايات المتحدة النفطية تأتي من دول الشرق الأوسط، ويمكن إعادة توجيه هذه الجزئية من نفطها المستورد إلى دول خارج منطقة الشرق الأوسط تنهي بها اعتمادها على بترول هذه المنطقة. إلا أن ذلك لن يحقق في الواقع أي أمن نفطي للولايات المتحدة ولن تستطيع بذلك عزل نفسها عن تأثير أي اضطراب محتمل في منطقة الشرق الأوسط على إمداداتها النفطية، فلا يلزم مثلاً أن تكون الولايات المتحدة مستورداً للنفط الإيراني كي تعاني من تأثير أي انقطاع في صادرات إيران النفطية نتيجة لأي تصعيد خطير في صراعها الحالي مع الولايات المتحدة.
ومشكلة الولايات المتحدة ليست في اعتمادها على نفط الشرق الأوسط وإنما في اعتمادها المتزايد على النفط المستورد من أي مكان كان في العالم. فاستهلاك النفط في الولايات المتحدة وصل في عام 2005 إلى ما يزيد على 21 مليون برميل يوميا مشكلاً 25 في المائة من إجمالي استهلاك النفط عالميا، يبلغ الإنتاج المحلي منه أقل من ثمانية ملايين برميل يوميا وما يزيد على 13 مليون برميل يوميا يتم استيرادها من دول عديدة في العالم، والدولة الشرق أوسطية الوحيدة بين أكبر خمس منها هي السعودية والدول الأخرى كندا والمكسيك وفنزويلا ونيجيريا. لذا فالتهديد الحقيقي الذي تواجهه الدول المصدرة للنفط ليس في أن تستطيع الولايات المتحدة الاستغناء عن نفطها فهذا غير وارد ولا ممكن، وإنما في ألا تتمكن الولايات المتحدة من تبني أي سياسة فاعلة تسهم في كبح جماح عطشها المتزايد للنفط. فالطلب الأمريكي على النفط ينمو بمعدل يتراوح بين 1 و2 في المائة سنويا، ما يعني أنه وعلى افتراض معدل نمو سنوي قدره 1.5 في المائة فقط، سيصل هذا الطلب إلى ما يزيد على 28 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025، أو ما يقرب من إجمالي حجم الإنتاج الحالي لدول "أوبك".
وإذا أخذنا في الاعتبار النمو الكبير المتوقع في الطلب على النفط في مناطق عديدة في العالم خاصة الصين والهند الذي ينمو فيهما الطلب على النفط بسرعة كبيرة بحيث يتجاوز الطلب الصيني حجم الطلب الأمريكي بحلول عام 2025، وتوقعات شركة أكسون موبيل طويلة المدى للسوق النفطية التي أصدرتها أخيراً وتوقعت تحقيق الاقتصاد العالمي نموا قويا متواصلا خلال العقود المقبلة يبلغ متوسطه 2.7 في المائة سنويا بحيث يبلغ حجمه في عام 2030 ضعف حجمه عام 2000 ويترتب عليه نمو متواصل في الطلب على النفط متوسطه السنوي 1.6 في المائة. فإنه يتوقع أن يصل إجمالي الطلب العالمي على النفط في عام 2025 إلى ما يزيد على 125 مليون برميل مقارنة بمعدلاته البالغة نحو 83 مليون برميل يوميا عام 2005، ما يجعل دول "أوبك"، إن كان لها أن تلبي الطلب المتزايد على النفط، في حاجة إلى مضاعفة حجم إنتاجها الحالي، على أقل تقدير، وصولاً إلى حجم إنتاج قد يتجاوز 64 مليون برميل يوميا، ومن المستبعد تماما أن تكون دول "أوبك" قادرة على الوصول إلى هذا الحجم من الإنتاج.
لذا فالدول المنتجة للنفط في أمس الحاجة إلى أن تتبنى الدول المستهلكة سياسات حقيقية تحد من النمو غير المقبول في معدلات الطلب على النفط، لا رفع شعارات جوفاء مفرغة من أي معنى حقيقي، فيما يواصل الطلب على النفط نموه المتسارع الذي يبدو أنه غير متأثر على الإطلاق بالارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي حال عدم نجاح الدول المستهلكة في الحد من نهمها النفطي سواء من خلال سياسات ترشيدية تزيد من كفاءة استخدام النفط أو من خلال تطوير تكنولوجي يسمح بتحقيق اعتماد أكبر على مصادر الطاقة الأخرى، فإن الدول المنتجة ستتعرض لضغوط مختلفة تجبرها على زيادة حجم إنتاجها النفطي بمعدلات لا ترغب فيها ولا تتناسب مطلقا مع مصالحها الوطنية العليا وستتسبب في استنزاف سريع لاحتياطياتها النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي