Author

الوكالات التجارية الحصرية في ظل منظمة التجارة العالمية

|
لقد نشأت الوكالات التجارية منذ القرن الـ 19 بهدف ترويج المنتجات والبضائع بتعريف العملاء بها ووضعها تحت تصرفهم وتقديم خدمات ما بعد البيع لهم. لهذا فقد أصدرت عدة الدول قوانين وأنظمة خاصة تنظم الوكالات التجارية استنادا إلى ما استقر عليه العمل من شروط وعادات في فروع التجارة, وفي هذا الإطار أصدرت السعودية نظام الوكالات التجارية بالمرسوم الملكي رقم م/11 وتاريخ 20/2/1382 هـ ثم صدرت لائحته التنفيذية بقرار وزير التجارة رقم 1867 وتاريخ 24/5/1401هـ. وأهم الميزات التي تحققها الوكالات التجارية أنها تقدم للمنشأة الأجنبية إعفاءها من مشقة القيام بعمليات الترويج لمنتجاتها وتوزيعها في مناطق لا تتوافر لها إمكانيات تقدير ودراسة السوق فيها ومعرفة حاجات ورغبات المستهلكين فيها. ذلك أن الوكيل التجاري يكون غالباً تاجراً له خبرته وفطنته وسمعته ومعرفته بالسوق المحلية فيقدم خدماته للمنشأة الأجنبية بمقابل يقل كثيراً عن قيامها بمندوبيها وممثليها الجوابين لترويج سلعتها. فضلاً عن ذلك فإن الوكالات التجارية تتيح للوكيل التجاري فرصة السيطرة على السوق المحلية في نطاق السلعة التي يقوم ببيعها والظهور بمظهر التاجر الوحيد الذي يحتكرها, وهذا يحقق له نوعاً من الرضا والهيمنة. كما توفر الوكالات للمستهلك خدمات ما بعد البيع بيسر وسهولة, وتوفر له إمكانية الاحتجاج على عدم توافر الشروط والمواصفات المطلوبة في المنتج حسب الاتفاق. وتوفر للدولة فرصة السيطرة على أسواقها من خلال وكلاء تجاريين مواطنين مما يجنبها مشاكل تتعلق بسيطرة الشركات الأجنبية الكبرى على أسواقها وتحكمها فيها. هذا فضلا عما تحققه الوكالات التجارية من ميزات أخرى تتمثل في إيجاد فرص عمل لأفراد المجتمع والمساهمة في رفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل الوطني وتوسيع نطاق حركة رؤوس الأموال بإيجاد مشاريع استثمارية إنتاجية وخدمية. وعلى الرغم من الميزات العديدة التي تحققها الوكالات التجارية سواء للمنتج أو للمستهلك المحلي, إلا أنه يترتب عليها بعض المشاكل العملية التي تؤثر في فاعليتها, وأهمها تأثير الوكالات الحصرية على المنافسة, وعلى المعايير التي تقوم عليها السوقان المحلية والدولية, سواء فيما يتعلق باحتكار الوكيل المحلي للسوق أو التأثير في رغبات المستهلكين وأذواقهم وحقوقهم. كما أنها تساعد على سرعة انتشار المنتجات والسلع الأجنبية في الأسواق المحلية, مما يؤثر سلباً في الصناعات والمنتجات الوطنية نظراً لمنافسة السلع الأجنبية لها في الجودة والسعر, فضلاً عن أنها تؤدي إلى وجود نوع من الاحتكار للأسواق المحلية من قبل بعض الوكلاء التجاريين. فالوكالات الحصرية تمنح لوكيل تجاري واحد في منطقة جغرافية محددة بحيث لا يجوز لغيره أن يتولى إبرام الصفقات التجارية وتوزيع المنتج فيها. فالموكل يلتزم بشرط القصر في مواجهة الوكيل فيمتنع عن إعطاء توكيلات لوكلاء آخرين في نفس منطقة عمل وكيله بحيث يصبح هذا الوكيل هو الوحيد الذي يحتكر مباشرة هذا النشاط لحساب موكله. ومن المعلوم أن من أهم القواعد التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية قاعدة حرية المنافسة التي تعني حرية التاجر سواء كان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً في دخول الأسواق التجارية والقيام بعمليات البيع والشراء والاستيراد والتصدير دون قيود تحد من حريته مع الالتزام ببعض الضوابط العرفية والنظامية التي تحكم السوق. ومن أهم الضوابط التي تفرضها القوانين والأنظمة على المتعاملين في السوق التجارية ويفرضها كذلك مبدأ حسن النية في التعامل ضرورة أن تكون المنافسة مشروعة, ومن ثم فلا يجوز للتاجر أن يتبع أساليب ووسائل غير مشروعة لترويج بضاعته وللإضرار بغيره من التجار الذين يتعاملون في السلعة نفسها, الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بمصلحة المستهلك والاقتصاد الوطني. فالمنافسة نوعان: النوع الأول منافسة مشروعة وهي تلك التي تتم في إطار القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة, وهذا النوع من المنافسة تقره الأنظمة بهدف تقديم السلع بالجودة والسعر المناسبين للمستهلك. والنوع الثاني منافسة غير مشروعة وهي تلك التي تتم باتباع أساليب ووسائل غير مشروعة (كالغش التجاري والإخلال بالمواصفات والمقاييس وإغراق الأسواق ببضائع مقلدة), ومع ما يحب أن يسود السوق من أمانة وثقة, وهي تتم بمخالفة القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة. ومن المعلوم أن للوكالات التجارية الحصرية تأثيرا مباشرا في المنافسة, إذ إنها تؤدي إلى الإخلال الصريح بمبدأ المنافسة المشروعة مما يؤثر سلباً في حقوق المستهلكين الذين يمثلون الشريحة الكبرى في المجتمع ويجعلهم مجبرين على التعامل مع وكيل واحد محدد، ولا خيار أمامهم للبحث عن بديل منافس خاصة عندما تواجههم بعض المشاكل الفنية أو التقنية المتعلقة بالمنتجات والسلع محل الوكالة التجارية الحصرية, ذلك أن المنافسة بمعناها الاصطلاحي تعني أن يكون لكل منتج معين أكثر من وكيل في الدولة التي يتم توزيعه فيها، وعدم قصر الوكالة على وكيل واحد يحتكر النشاط. والملاحظ أن نظام الوكالات التجارية السعودي لم ينص على شرط القصر, حيث اكتفى بالنص على اشتراط الجنسية السعودية في الوكيل التجاري, كما أن لائحته التنفيذية قد حرصت على حماية المستهلك حتى في الحالة التي تكون فيها الوكالة حصرية، فنصت في مادتها الثانية على إلزام الوكيل التجاري بتأمين الصيانة وقطع الغيار طوال مدة الوكالة ولمدة سنة تالية لتاريخ انتهائها أو لتاريخ تعيين وكيل جديد لهما أسبق. ولهذا فإننا نرى أنه بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية أن الوكالات التجارية الحصرية تتطلب إعادة النظر فيها لفتح المجال للمنافسة في الأسواق السعودية.
إنشرها