لنرفع أنفسنا فوق المصالح الشخصية والمناطقية !
كان الأجداد والآباء دائما ما يرددون عبارة تعني اعترافهم بأن ولاة الأمر في بلادنا الغالية هم الأدرى بمصلحتها ودليل على السمع والطاعة لما يقرره ويأمر به قادة وحكام مملكتنا الحبيبة منذ وحدها ـ المغفور له بإذن الله ـ الملك عبد العزيز.
وحدها على أنها وطن للجميع لا فرق بين منطقة وأخرى ولا محافظة أو مدينة أو قرية أو هجرة, الكل متساوون في الحقوق والواجبات, كل شبر في هذه البلاد مُلك للجميع. تذكرت تلك العبارة عندما قرأت ما كُتب عن أن تلك المدينة (الدوادمي) هي الأحق من غيرها بأن تكون (منطقة), موردا الكاتب عددا من الإحصائيات يعتقد أنه لا يعرفها إلا هو, مع أن تلك الإحصائيات خرجت من أجهزة الدولة, فلا داعي لتذكير الدولة بها لأنها تعرف كل صغيرة وكبيرة في جميع مدن المملكة من خلال أجهزتها المختلفة. فالدولة ـ أعزها الله ـ عندما تقرر قرارا أو تنفذ مشروعا هنا أو هناك فهي تفعل ذلك بناء على دراسات جدوى ومن خلال تلمس حاجة المواطنين, فلماذا نقحم أنفسنا كأوصياء على عمل أجهزة الدولة؟
هذه الدولة قامت على نبذ التعصب والعنصرية والقبلية والمناطقية فلماذا يسمح البعض لنفسه أن يثير مثل هذه النعرات من خلال رفع مدينته التي يحبها ويقلل من شأن غيرها من المدن. إن مثل هذا يثير نعرة الفتنة ويوغر صدور ضعاف النفوس في وقت نحتاج فيه إلى التكاتف في مواجهة الفكر المتطرف ومحاربة الإرهاب الذي تواجهه بلادنا. الواجب علينا كمواطنين صالحين أن نفرح وأن نسعد عندما نسمع عن إقامة مشروع في أي بقعة في بلادنا لأن خيره لن يكون محصورا في أبناء تلك البقعة, بل إن خيره يعم جميع المقيمين في هذه البلاد الطاهرة, علينا أن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا, فما بالك إذا كان المستفيدون أبناء عمومتك.
لقد فرحنا جميعا عندما سمعنا منذ سنوات عن إنشاء مطار في محافظة الدوادمي لأن خيره سيعم الجميع, كما أن كلية التقنية في تلك المحافظة يدرس فيها طلاب من جميع أنحاء المملكة وغير ذلك من المشاريع في أي مكان من مملكتنا خيرها ونفعها ليس حصرا لأحد دون غيره. إن مثل هذه الكتابات ضيقة النظرة تذكرني بما كان يحدث في مباريات كرة القدم بين فريقي الدرع والوشم في التسعينيات الهجرية من تشاحن صبياني بعيد عن أخلاق الرياضة, بعكس ما هو حاصل الآن, حيث زالت تلك المظاهر بين شباب تلك الناديين. لكنني أستغرب بقاءها لدى من يفترض فيهم أن يكونوا قدوة للآخرين.
لقد درست المرحلة الابتدائية في شقراء في مدرسة كان اسمها الشائع بين أهل البلد (مدرسة القويزية) نسبة إلى صاحب البيت الذي فيه المدرسة. فالعائلات في المملكة منتشرة ومتفرقة في شتى أرجاء الوطن, مما يدل على أن التراب ليس حكرا على من سكنه بل هو متاح للجميع دون أن نكون متحاملين أو مقللين من شأن من لا يسكن معنا في ذلك التراب. أعود مرة أخرى وأذكر الكاتب وغيره ممن تشغلهم هذه الأمور السلبية بأنه لا داعي للمزايدة على وحدة الوطن وفتح جروح في نسيج الشعب المتماسك, فكلنا أبناء هذا البلد نستظل بسماء واحدة ونعيش على تراب واحد في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وإخوانه الذين ينظرون إلى كل ذرة في تراب الوطن بمنظار المساواة, لكن المصلحة الوطنية هي المعيار الذي تسير عليه القرارات والمشاريع. فلنرفع أنفسنا فوق المصالح الشخصية والمناطقية ونُحكّم العقل بأن المصلحة التي يراها ولاة الأمر هي التي ينبغي أن تُنفذ بعيدا عن أهواء البعض.