الانهيارات زمن الانتعاش الاقتصادي سنة عالمية
<a href="[email protected]">[email protected]</a>
سادت أجواء الثقة من جديد السوق المالية السعودية بصدور القرار الملكي الكريم بتعيين رئيس جديد لهيئة السوق المالية، ولا يمنع مع انتعاش الآمال بتعديل وضع السوق وإعادته إلى وضعه الصحيح من أخذ الدروس والعبر من المرحلة السابقة، ومن هذه الدروس النظر إلى أن الانهيارات غالباً ما تحدث زمن الانتعاش الاقتصادي.
فمثلاً انهار سوق الأسهم في دبي بشكل دراماتيكي وكنا ننظر لما يحصل في سوق دبي من خلال وسائل الإعلام ونرى الحيرة على وجه المتعاملين والمحللين والاقتصاديين وهم يؤكدون سلامة كل المؤشرات الاقتصادية ليطمئنوا المستثمرين, ولكن لا حياة لمن تنادي. ثم تبعه سوق الأسهم الكويتي حتى خرجت مظاهرات تنادي الحكومة الكويتية بالتدخل، التي تدخلت فعلا, ولكن النزول كان سيد الموقف. وحدث الأمر نفسه في قطر, مصر, والأردن, وكنا أثناءها نعايش ارتفاعات ومضاربات محمومة والكل أعماه الطمع, ولم نلق بالاً لأصوات كانت تحذرنا من خطورة الوضع الذي أسهمنا في خلقه بل إننا سفهناها حتى وقعت الفأس في الرأس وجاءنا سرطان الأسواق وانحدر بنا رأسيا ونحن نتابع بكل تعجب وحيرة ولا نعرف ما السبب الحقيقي.
وكما هو معروف في مثل هذه الحالات يجب البحث عن الضحية لكي نلصق به التهم، ولم نجد أمامنا إلا هيئة السوق المالية شماعة مناسبة, فهي الجهة المسؤولة عن السوق المالية وعليها تحمل تبعات وممارسات وأخطاء الآخرين, وعلى الجهات المسؤولة أن تقتص منها وتعاقبها أشد العقاب، وتذرعنا في ذلك بإجراءات تكتيكية اتخذتها الهيئة وهي ترى نذر الهبوط الحاد تقترب من السوق بسرعة كبيرة.
لقد شاركت في مجالس عديدة منها ما هو عقلاني ومنها ما هو عاطفي معظمها يحمل هيئة السوق المالية مأساة الأسهم، وعندما كنت أطرح في هذه المجالس السؤال الذي يدور في رأسي دائما: لماذا سبقتنا أسواق المنطقة كافة في الهبوط الحاد؟ وهل هيئة السوق المالية السعودية مسؤولة عن كل هذه الأسواق لكي نحملها أسباب ذلك أيضا؟ كانت الإجابة دائما هزا للرؤوس ليس أكثر ولم أجد جوابا شافيا إلا البعض الذي يشير إلى أزمة إيران النووية.
فحسب اعتقادي بأنه لم يصبنا إلا ما أصاب الأسواق العالمية من قبلنا في أمريكا واليابان وفرنسا والنمور الآسيوية السبع، هذه الأسواق تعرضت لارتفاعات خيالية في أسعارها أيام انتعاش أسواقها وسلامة كل مؤشراتها الاقتصادية، هذه الارتفاعات نشأت وترعرعت وقوى عودها في ظل عرض وطلب مصطنع غير حقيقي قام به كبار المضاربين لتحقيق أرباح خيالية على حساب صغارهم, وذلك بجرهم إلى أعلى "المسلخ المالي" بمبررات كثيرة ومتنوعة يسوقونها لتمرير حيلهم, منها سلامة المؤشرات الاقتصادية والنمو الاقتصادي الكبير المتوقع وهو قول حق يراد به باطل حتى بات انهيار سوق الأسهم في زمن انتعاش الاقتصادات سنة تتكرر.
منذ عام 2003 وتحديدا بعد نهاية حرب احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية حيث بدأ الارتفاع التدريجي في أسعار النفط وأسواقنا المالية في صعود شبه خيالي بمبرر النمو الاقتصادي الكبير الذي سينعكس على القطاعات الاقتصادية كافة، وبلع البسطاء الطعم وانساقوا وراء كبار المضاربين الذين ارتفعوا بالأسعار إلى أرقام فلكية استبقوا بها النمو الاقتصادي لعشر سنوات مقبلة، وما إن بلغوا ذلك حتى رأوا أن الوقت قد حان ليضربوا ضربتهم ويغادروا السوق بأرباح خيالية ويتركوا الصغار يتجرعون المر وهم لا يحسنون صنعا.
انسحب الكبار، كما ينسحبون في كل الأسواق والسوق في قمته، والانسحاب من أي سوق في المنطقة سيتبعه انسحاب في بقية الأسواق، كما الماء في نظرية الأواني المستطرقة، وهكذا صرنا تحت تأثير انهيارات متتالية في جميع أسواقنا يتخللها صعود مصطنع.
وقد يقول قائل ولكن هناك الكثير من أصحاب الملايين والمليارات أصابهم سوق الأسهم بخسائر كبيرة، وأقول إن هؤلاء ينقسمون إلى فئتين, الأولى: باعوا وحققوا أرباحاً خيالية وتضاعفت رؤوس أموالهم مرات عديدة ولم يتبق في محافظهم إلا نسبة قليلة من الأسهم يستخدمونها لضرب السوق إلى أرقام متدنية حتى يتمكنوا من التجميع مرة أخرى. أما الفئة الثانية فقد أداروا محافظ العشرات أو مئات المستثمرين وبمئات الملايين بعقلية من يدير محفظة بمائة ألف ريال أو أقل، إذ يعتمدون في قراراتهم الاستثمارية على أنفسهم وعلى التوصيات والشائعات دون الاستعانة بالمكاتب الاستشارية المهنية المحترفة في مجال استثمار الأموال وكيفية نقلها من سوق إلى آخر وفي الوقت المناسب، فهم إذاً مضاربون كبار من حيث الحجم صغار من حيث الوعي بالأسواق المالية وأنواعها وتقلباتها.
وأخيرا أود أن أقول إن أسواق الأسهم في المنطقة تتجه نحو المعيارية في الأسعار، المعيارية القائمة على مكررات الربح والقيمة الدفترية ومعدلات النمو المتوقعة في الاقتصاد عامة وفي القطاع والشركة على وجه الخصوص، وإن العرض والطلب في تلك الأسواق سيتحول إلى عرض وطلب حقيقي قائم على الفكر الاستثماري الذي يقارن سوق المال كبديل استثماري مع البدائل الاستثمارية الأخرى المتوافرة، وسوقنا السعودي على وجه الخصوص مقبل على هذه المرحلة في ظل القرارات المرتقبة مع قدوم رئيس جديد لهيئة السوق المالية وهو ما نأمله وننتظر حدوثه.