ذم التنطع
ذم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المتنطعين في الدين, وأخبر بهلكتهم حيث يقول "ألا هلك المتنطعون, ألا هلك المتنطعون, ألا هلك المتنطعون"(1).
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة عن مسعر قال "أخرج إلي معن بن عبد الرحمن كتابا, وحلف بالله أنه خط أبيه, فإذا فيه: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما رأيت أحدا كان أشد على المتنطعين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآل وسلم, ولا رأيت بعده أحدا أشد خوفا عليهم من أبي بكر, وإني لأظن عمر رضي الله عنه كان أشد أهل الأرض خوفا عليهم"(2).
وكان عليه الصلاة والسلام يبغض المتعمقين, حتى أنه لما واصل بهم ورأى الهلال قال: "لو تأخر الهلال لواصلت وصالا يدع المتعمقين تعمقهم, كالمنكل بهم"(3).
وكان الصحابة أقل الأمة تكلفا, اقتداء بنبيهم صلى الله تعالى عليه وسلم. قال الله تعالى "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" (86 ـ ص).(4).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات, فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة, أولئك أصحاب محمد, كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا, وأعمقها علما, وأقلها تكلفا. اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه, ولإقامة دينه, فاعرفوا لهم فضلهم, واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم, فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"(5).
وقال أنس رضي الله عنه: "كنا عند عمر رضي الله عنه, فسمعته يقول نهينا عن التكلف".
وقال مالك قال عمر بن عبد العزيز: "سن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وولاة الأمور بعده سننا, الأخذ بها تصديق لكتاب الله, واستكمال لطاعة الله, وقوة على دين الله, ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها, ولا النظر فيما خالفها. من اقتدى بها فهو مهتد, ومن استنصر بها فهو منصور, ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين, ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا".
وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يقول: "سُنت لكم السنن, وفرضت لكم الفرائض, وتركتم على الواضحة, إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالا".
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين".
فأخبر أن الغالين يحرفون ما جاء به. والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه.
والجاهلون يتأولونه على غير تأويله. وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاث. فلولا أن الله تعالى يقيم لدينه من ينفي عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء.
(1) رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن مسعود.
(2) رواه الدارمي في سننه في باب من هاب الفتيا.
(3) روى البخاري عن أبي هريرة قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم. فقال رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله, قال: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين. فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال أقبل بهم يوما ثم يوما, ثم رأوا الهلال. قال: لو تأخر لزدتكم, كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا" رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
(4) روى الدارمي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: "من علم منكم علما فليقل به, ومن لم يعلم فليقل لما لا يعلم: الله أعلم. فإن العالم إذا سئل عما لا يعلم قال: الله أعلم, وقد قال الله لرسوله "(قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)".
(5) رواه الإمام أحمد.