مفاجآت نهاية العام... النفطية

ارتفعت أسعار النفط بنحو 40 في المائة في عام 2005 مقارنة بمتوسطها في عام 2004. إلا أن هذه الزيادة لم تترجم في نهاية العام إلى زيادة ملموسة في الإنتاج أو الاحتياطيات.
تشير تقديرات مجلة النفط والغاز الأمريكية التي صدرت في الأسبوع الماضي إلى أن الاحتياطيات العالمية من النفط زادت بمقدار 1.2 في المائة خلال عام 2005، أو ما يعادل 14.8 مليار برميل. هذه الزيادة تعتبر كبيرة إذا ما قورنت باحتياطي بعض الدول. فهي تبلغ ستة أضعاف احتياطي سورية من النفط، أو ثلاثة أضعاف احتياطي عُمان تقريباً، أو تعادل احتياطي دولة قطر، العضوة في منظمة الأقطار المصدرة للنفط. إذا كانت هذه الزيادة بهذه الأهمية، فما المشكلة إذاً؟
المشكلة، في الواقع، متعددة الأوجه. فأغلب هذه الزيادة لا يعود إلى اكتشافات جديدة، وإنما إلى تعديل البيانات السابقة في دول لم تقم بتقديم معلومات عن احتياطياتها في السنوات الماضية. كما أنها حصيلة الزيادة في بعض الدول ونقص كبير في دول أخرى. إضافة إلى ذلك فإن أغلب هذه الزيادة مركز في دول معينة أغلبها في دول "أوبك". وقد تكون المشكلة الأكبر أن هذه الزيادة المقدرة بـ 1.2 في المائة لا تتناسب مع الزيادة الكبيرة في أسعار النفط التي بلغت 40 في المائة، كما أنها لا تتناسب مع تضاعف الأسعار بمقدار 7 مرات بين شتاء عام 1999 وصيف عام 2005.
إن عدم مواكبة الزيادة في الاحتياطيات للزيادة الكبيرة في أسعار النفط تثير العديد من الأسئلة المهمة والمحيرة. فهل عدم مواكبة الإنتاج والاحتياطيات للأسعار يعود إلى "نضوب النفط" وبلوغ الإنتاج لـ "ذروته" كما يدعي البعض؟ أم إلى عدم توافر التكنولوجيا اللازمة؟ أم إلى ارتفاع تكاليف التنقيب والإنتاج؟ أم إلى رغبة الشركات والدول النفطية في تخفيض نمو الصناعة بهدف الإبقاء على أسعار النفط في مستويات مرتفعة؟ أم إلى رغبة شركات النفط العالمية في رفع قيمة أسهمها عن طريق صرف أرباح كبيرة للمساهمين بدلاً من استثمار جزء من هذه الأرباح في البحث عن مصادر جديدة للنفط؟ أم إلى القوانين التي تمنع أو تحدد الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط في الدول المنتجة؟ أم أن سببها هو سياسات الحظر الأمريكية التي فرضت على الدول النفطية خلال العقدين الماضيين، واحتمال فرض حظر على أي دولة نفطية بجرّة قلم من الرئيس الأمريكي؟
أسئلة كثيرة وأجوبتها قد تقود إلى مزيد من الأسئلة، وقد تكون مجموع كل ما ذكر سابقاً. إلا أنه يمكن إجمال الأسباب التي أدت إلى عدم مواكبة الإنتاج والاحتياطيات لأسعار النفط فيما يلي:
1 - هناك فترة بين ارتفاع الأسعار وزيادة الإنتاج والاحتياطيات قد تصل إلى ثلاث سنوات في بعض المناطق. لذلك فإن الوقت مازال مبكراً لمعرفة أثر ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة على صناعة النفط العالمية، خاصة أن عدم تغير الإنتاج والاحتياطيات العالمية هو حصيلة زيادة في بعض المناطق وانخفاض في مناطق أخرى. وتشير البيانات إلى أن زيادة الإنتاج والاحتياطيات في بعض الدول في عام 2005 لم تكن نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة، وإنما نتيجة مشاريع بدأت منذ عدة سنوات. ولكن لا يمكن نفي دور ارتفاع أسعار النفط في تسريع إنجاز هذه المشاريع أو افتتاحها جزئياً قبل نهايتها.

2 - نجاح بعض ما يسمى بدور الخبرة والاستشارات في تخويف شركات النفط الخليجية بالذات من الخطر القادم من دول بحر قزوين وغرب إفريقيا. فقد اقنع خبراء هذه الدور الاستشارية شركات النفط الوطنية بأن دول منطقة بحر قزوين وروسيا ودول إفريقيا الغربية ستقوم بإغراق الأسواق العالمية بالنفط، الأمر الذي جعل الشركات الوطنية الخليجية تتبع سياسات استثمارية محافظة.

3 - ارتفاع أسعار النفط لم يمكّن شركات النفط من تحقيق عوائد وإيرادات تنافس عوائد وإيرادات الشركات في الصناعات الأخرى، خاصة عوائد وإيرادات البنوك وشركات تقنيات المعلومات مثل مايكروسوفت. فقد حققت شركات النفط أرباحاً تاريخية في الربع الثالث من العام الحالي وتمكنت شركة إكسون موبيل من تحقيق أرباح قدرها عشرة مليارات دولار خلال تسعين يوماً فقط، ولكن هذه الأرباح مكنت شركات النفط من رفع عوائدها لتصل إلى متوسط العوائد لمختلف الصناعات فقط. بعبارة أخرى, ستحقق شركات النفط عوائد أكبر لو استثمرت في القطاع البنكي بدلاً من استثمارها في مشاريع جديدة.

4 - هناك تخوف كبير لدى الدول النفطية وشركات النفط من انهيار مفاجئ في الأسعار. فرغم توقع استمرار الأسعار المرتفعة إلا أن احتمال انهيار مفاجئ للأسعار وارد، وخير دليل على ذلك هو تاريخ صناعة النفط نفسها. هذا التخوف، ممزوجاً بذكريات منتصف الثمانينيات وعامي 1998 و1999، أدى إلى تحفظ الدول النفطية وشركات النفط العالمية في إنفاقها الاستثماري. هذا الانهيار لا يعود إلى زيادة كبيرة في المعروض وإنما إلى انهيار الطلب في بعض الدول المستهلكة. الغريب هنا أن هذه التصرفات من قبل الدول النفطية والشركات تدل ضمنا على عدم ثقتها بتوقعات وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" وغيرها بأن الطلب على النفط سينمو بشكل كبير خلال العقدين القادمين.

سيكون عام 2006 حاسماً في العديد من الأمور المتعلقة بالنفط. ففي هذا العام سيتحدد أثر ارتفاع أسعار النفط على الإنتاج والاحتياطيات، وبالتالي فإن عام 2006 سيحدد مدى صحة نظرية الذروة. وبناء على ذلك سيتحدد دور دول الخليج خلال 15 سنة المقبلة في أسواق النفط العالمية. ولعل أهم ما سيحسمه عام 2006 هو ما إذا كانت دول الخليج ستشهد طفرة ثانية أم لا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي