لماذا لا تضرب القاعدة أهدافاً إسرائيلية؟

تثير علاقة تنظيم القاعدة بإسرائيل كثيراً من التساؤلات في ظل الحقيقة المعروفة أن التنظيم أو الجماعات الدائرة في فلكه والمحتذية أنموذجه في مختلف دول العالم لم تقم بأي عمليات تذكر تقريباً ضد أهداف إسرائيلية بداخل الدولة العبرية أو خارجها. وقد ذهبت بعض الكتابات في تفسير ذلك الأمر إلى حد القول بتبعية أو باختراق المخابرات الإسرائيلية للتنظيم ولبعض من "الفروع" الدائرة في فلكه بحيث عملت على توجيهها نحو أهداف أخرى وإبعادها عن الأهداف الإسرائيلية في الداخل والخارج. إلا أن شكوكاً عديدة تحيط بذلك التفسير، وترجح وجود أسباب أخرى وراء تلك الندرة في عمليات القاعدة و"فروعها" ضد الأهداف الإسرائيلية الداخلية والخارجية.
والأكثر ترجيحاً هو أن القاعدة اختارت استراتيجية بعينها تجاه الدولة العبرية أوصلتها إلى الوضع السابق وصفه. فمن ناحية، كانت الدولة العبرية، سواء بالنسبة لتنظيم قاعدة الجهاد أو لكل التنظيمات والجماعات والأفراد المنضمين إليه اليوم في حربه وأهدافه، أبرز الأعداء بصورة مستمرة لم يغير منها وجود أعداء آخرين لهم سواء كانوا الاتحاد السوفياتي السابق في بعض المراحل أو الولايات المتحدة في المرحلة الحالية أو النظم الحاكمة في بلدانهم في مراحل غيرها. وعلى خلاف تصورات كثيرة غير دقيقة، فقد مثلت الدولة العبرية بالنسبة لزعيم تنظيم قاعدة الجهاد أسامة بن لادن وكل قياداته منذ بداية التسعينيات أبرز الأعداء الذين يسعى لمواجهتهم بجانب الولايات المتحدة، وذلك كما يظهر التحليل الدقيق لجميع الوثائق والأحاديث والخطب المنسوبة إليه منذ ذلك الوقت. وإذا كان ذلك هو الحال على صعيد الرؤية الفكرية، فعلى الصعيد العملي لم يبدأ توجيه ضربات لأهداف يهودية أو إسرائيلية حول العالم من القاعدة التنظيم أو الشبكة سوى مع عملية تفجير المعبد اليهودي في جربا في تونس بداية عام 2002 والتي تؤكد المؤشرات - حتى الآن ـ أن من قاموا بها ليسوا محسوبين على التنظيم كما حاول المتحدث الرسمي باسمه الادعاء بعد ذلك، بقدر ما أنهم إسلاميون يشتركون معه في التوجهات العامة والأهداف.
وأتت بعد ذلك العملية المزدوجة التي وقعت في مومباسا في كينيا في نهاية العام نفسه، والتي وضح تماماً أنها تمت بتخطيط وتنفيذ تنظيم قاعدة الجهاد نفسه. فإضافة لبيانات المسؤولية عن العمليتين التي صدرت عن التنظيم، فإن مكانهما وتفاصيلهما الدقيقة والملابسات المحيطة بهما تؤكد جميعها أنه هو المسؤول عنهما. ويبدو من اختيار الهدفين والمكان الذي تمت فيه العمليتان أن ذلك التنظيم قد أراد في ذلك الوقت أن يبدأ مرحلة جديدة في مواجهته للدولة العبرية يسعى خلالها إلى توجيه ضربات لمصالحها في المناطق التي توجد له بها خلايا ومجموعات نشطة والسابق الإشارة إليها، وأنه اختار كينيا التي سبق لسلفه ـ الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين ـ ضرب السفارة الأمريكية فيها عام 1998، والمعروفة بأنها من أبرز قواعد المخابرات الإسرائيلية في إفريقيا. في نفس الوقت، فربما يكون التنظيم قد راهن على أن الظروف الأمنية الصعبة التي لم تحل دون تنفيذه هاتين العمليتين، سوف تدفع مزيداً من التنظيمات والجماعات والأفراد الإسلاميين المتضامنين معه في معركتها والمعادين والمضارين من السياسات الأمريكية والإسرائيلية إلى محاولة استهداف المصالح الإسرائيلية في مختلف مناطق العالم التي يوجدون بها والتي قد لا يكون في بعضها أي وجود لتنظيم القاعدة. إلا أن السنوات التي مضت منذ ذلك الوقت لم تشهد أي عمليات قام بها التنظيم أو أحد "فروعه" ضد أي أهداف إسرائيلية خارجية أو داخلية سوى تلك العملية الغامضة التي تمت من مدينة العقبة الأردنية قبل عدة شهور وقصف فيها ميناء إيلات الإسرائيلي بقذائف الهاون، ونسبها "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" لنفسه.
والأرجح أن عدم استهداف القاعدة أو "فروعها" المصالح الإسرائيلية الداخلية والخارجية خلال كل تلك السنوات بالرغم من وضعه الدولة العبرية في مقدمة أعدائه يعود إلى عديد من الأسباب. أول تلك الأسباب ربما يرجع إلى القدرات الأمنية العالية لأجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والتي مكنتها حتى اليوم من حماية تلك المصالح الإسرائيلية وبخاصة في ظل تعاونها الوثيق مع الأجهزة المماثلة في الولايات المتحدة وجميع الدول الغربية الأخرى وعديد من تلك الموجودة في الدول العربية. وربما يرجع ثاني الأسباب إلى عدم قدرة أفكار ونموذج القاعدة اختراق الشعب الفلسطيني سواء في الأراضي المحتلة بعد 1967 أو بداخل الخط الأخضر وهو الأمر الذي ألغى تقريباً أي قدرة لها على القيام بأي عمليات ضد أي أهداف إسرائيلية في الداخل. وربما يكون هذا الفشل في اختراق الشعب الفلسطيني يعود بصفة رئيسية إلى وجود المنظمات الإسلامية الفلسطينية المقاومة وبخاصة حماس والجهاد الفلسطيني وقدرتها الكبيرة على المزج بين عمليات المقاومة المؤثرة والعمل السياسي والاجتماعي النشط في صفوف هذا الشعب مما يغنيه عن أي أفكار أو تجارب تأتيه من تنظيم القاعدة. كذلك فمن الوارد أن يكون تنظيم القاعدة يدرك بوضوح مدى الضرر الذي يمكن أن يسببه للمقاومة الفلسطينية عموماً والإسلامية منها خصوصاً في حالة قيامه بتنفيذ عمليات باسمه داخل الدولة العبرية، حيث يكون ذلك بمثابة فرصة للدولة العبرية لتوجيه أنظار العالم بعيداً عما تقوم به من فظائع في الأراضي الفلسطينية بحجة أنها قد صارت الآن دولة ضحية للإرهاب الإسلامي والعربي على العالم أن يتضامن معها ويؤيدها لا أن يدينها على جرائمها في حق الفلسطينيين، كما أنه سيكون فرصة أيضاً للحكومة الإسرائيلية لتشويه صورة المقاومة الإسلامية الفلسطينية بترويج صور إعلامية باعتبارها جزءاً من القاعدة التي باتت رمزاً للإرهاب في العالم كله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي